طلحة جبريل 

 

سبق أن نشرت صورة امرأة وأطفالها من قريتي.. وقلت لكم إنها صورة لها حكاية طويلة ..طويلة جداً، ووعدت بأن أرويها لكم . هأنذا أفعل ، وأروي لكم قصة تلك الصورة، وأنشر المزيد من الصور لها.

سأروي لكم اليوم قصة صورة.

قبل سنوات طلبت مني مجلة “المجلة”” التي كانت تصدر من لندن ، كتابة استطلاع عن المنطقة التي انتقل إليها ” مصطفى سعيد” بطل رواية “موسم الهجرة إلى الشمال”بعد سنواته في لندن ، حيث عاد عقب “غزواته” إلى قرية في منطقة “مروي” وتزوج هناك “حسنة بت محمود” كما جاء في الرواية .

كنت سَعِيدًا بذلك التكليف،لسببين لأنني أتحدر أيضاً من تلك المنطقة، والأمر الثاني علاقة الصداقة الوطيدة التي ربطتني مع الطيب صالح، وهي صداقة أتاحت لي إصدار الكتاب الوحيد الذي يتحدث عن سيرته الذاتية، وكان قد صدر عام 1997 بعنوان “على الدرب مع الطيب صالح” .

سافرت إلى هناك وانجرت الاستطلاع المطلوب، وكان قد طُلب مني التقاط صورة لامرأة من المنطقة تكون في جمال “حسنة بت محمود “كما وصفها الطيب صالح . 

شاءت الصدف وقبل كتابة ذلك الاستطلاع بسنوات طويلة، أن التقطت مجموعة صور لأسرة جاءت إلى قريتي وهم مِنْ الرَّحْلِ كانوا يتنقلون جَماعَةٌ أي الزوجة والزوج والأبناء وحتى أقازبهم في بعض الأحيان ،ويبقون أياماً في كل قرية يمارسون بعض الحرف، ويقيمون تحت الأشجار نظراً لظروفهم البئيسة.

احتفظت بمجموعة الصور تلك للأم مع أطفالها، وعلي الرغم من حالة الفقر والبؤس، بدا لي أنها قريبة الشبه من “حسنة بنت محمود” كما وصفها الطيب صالح في الرواية :”ريانة ممتلئة كعود قصب السكر. العينان السوداوان الواسعتان يختلط فيهما الحزن والحياء.امرأة نبيلة الوقفة أجنبية الحسن “.

أرسلت صور المرأة مع أطفالها إلى لندن واختاروا واحدة منها صورة للغلاف.

كانت ابنة تلك المرأة قد تزوجت وهاجرت مع زوجها إلى منطقة الخليج، ويبدو أنها انقطعت عن أسرتها لسنوات طويلة، وراحت تسأل عن الشخص الذي التقط تلك الصورة و أبلغتها خالتي رحمها الله، أنني التقطتها في إحدى زياراتي لقريتي.

تواصلت معي ابنة تلك المرأة، ولكن لم أكن أملك للأسف عنواناً لأسرتها لأنهم من الرَّحْلِ، ولا أعرف حتى الآن إذا كانت البنت قد التقت بوالدتها، التي أصبحت صورة غلاف.

أختم ببعض ما قاله “مصطفى سعيد” في الرواية : ” ثلاثون عاما. كان شجر الصفصاف يبيضّ وَيَخْضَرّ ويصفر في الحدائق. وطير العندليب يغني للربيع كل عام. ثلاثون عاما وقاعة ألبرت تغص كل ليلة بعشاق بيتهوفن وباخ. والمطابع تخرج آلاف الكتب في الفن والفكر. مسرحيات برنارد شو تمثل في الرويال كورت والهاي ماركت. كانت أيدث ستول تغرد بالشعر، ومسرح البرنس أوف ويلز يفيض بالشباب والألق. سعيد حزين، في تحول سرابي مع تحول الفصول. ثلاثون عاما وأنا جزء من كل هذا أعيش فيه، ولا أحس جماله الحقيقي ولا يعنيني منه إلا ما يملأ فراشي كل ليلة ” .

*كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *