رشيد مشقاقة*

يوم الأربعاء هو يوم السوق ويوم استقبال الشكايات.
-ما مشكلتك؟
-زوجتي، مات زوجها!
-ماذا؟
دفع امرأة بائسة أمامي وهو يأمرها:
-قولي للرئيس هذه دارْ الحق..
قالت بصوت خافت:
-أنا زوجة الرجل الذي مات. خرجت من بيته منذ سنوات. ولي معه أولاد. وهذا الرجل زوجي، ولي معه ولدان!
-لم أفهم.
تدخل عون المحكمة، تلقائيا:
-يريدون الإرث. من مات غنيّ، وهذه المرأة تزوجت به بالفاتحة وفرّت مع حارسه، وهو من دفعها إلى رفع دعوى ثبوت الزوجية لترث الميت.
سبحان الله.. وكيف عرفتَ ذلك؟
-استمعت إليهما قبلك…
هذا التعدد لا علم للمشرع به، اذهب بهما إلى وكيل الملك.
وأنت، ما مشكلتك؟
-أنا الذي زودت المحكمة بأسلاك الهاتف، عام وأنا معكم.
-شكرا. ماالمطلوب؟
-نعم سيدي.. الكلام أصبح يدخل من أذني اليمنى ولا يخرج من اليسرى!.. رأسي يتفرقع يوميا.
ضحك العون رغما عنه. وقلت للرجل:
-ماذا تريد أن نفعل؟
-العلاج.
-هذه محكمة وليست مستشفى.
-سامحوني.
ثم غادر المكان.
وأنت ممن تشكو؟
أنا مهدد بالإفراغ وخائف.
-اسمع، قضيتك في يد أمينة، لا تقلق.
-هذا ما أخشاه. أمينة هذه تساعد خصومي واسمها على كل لسان.. رائحتها انتشرت!

ارتمى العون على الرجل وأخرجه وسار أمامه وهو يصيح:
-عشنا حتى أصبحت أمينة قاضية.. القيامة قامت!

لم نكد ننهي الضجيج حتى وقف رجل مسنّ أمامي.
-ماذا تريد؟هل لديك دعوى؟
-لا.
-ولماذا وقفت مع المشتكين؟
-أريد صدقة على وجه الله .الله يرحم الوالدين!
ضحك العون مرة أخرى.
دفعت للرجل بعض الدراهم. غادر المكان وهو يلهج بالدعاء..
رفعت رأسي لاصطدم بشيخ نشر أمامي رسما عدليا طويلا وهو يقول:
-هذه المحكمة في ملكي، والحجج تثبت ذلك.
-أنت الذي سوف تريحنا، هل أقمت دعوى الإفراغ؟
-ليس بعد.
-ماذا تنتظر؟
هل سأربحها؟
-من فمك إلى رب العالمين..
جمع الرجل أوراقه فرحا، وشيّعه العون خارج المحكمة وهو يقول له، ممازحا:
-الرئيس أخد لك حقك.
فيرد الشيخ:
-الله يكثر من أمثاله.

*رئيس المنتدى المغربي للقضاة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *