كعادتي كل سنة أتردد يوميا على معرض الكتاب بالرباط للقاء الأصدقاء الذين لا نلتقي أغلبهم إلا في هذه المناسبة خاصة القادمين من مدن أخرى؛ والبحث عن ثمرات المطابع.

ولكن ما لاحظته هذا العام هو غلاء أسعار الكتب في بعض الأروقة لدور النشر العربية؛ والشراهة لدى الناشرين الذين يحولون هذه المناسبة إلى مناسبة لنهب جيوب القراء؛ وتواطؤ بعض الكتاب مع دور النشر.

على سبيل المثال لاحظت أمس زحاما شديدا في بهو المعرض حيث كان هناك طابور طويل للتلاميذ؛ وظننت أن الأمر يتعلق بزيارة منظمة لبعض المدارس.

لكن أن أخبرني اليوم صديق بأن الأمر كان يتعلق بحضور حفل توقيع نظمته دار نشر عربية لكاتب روايات سعودي إسمه أسامة مسلم؛ يكتب قصصا خرافية عن الجن والشياطين؛ وقال لي إن سعر رواياته وصل إلى 200 درهم.

واليوم زرت ذلك الرواق وأردت أخذ فكرة عن تلك الروايات ولما سألت عن السعر وجدت الرواية الواحدة ب 300 درهما.

يعني في أربع وعشرين ساعة أضيفت 100 درهم؛ مع أن تلك الروايات مطبوعة طبعات عادية جدا؛ وحتى الروايات الأكثر قيمة لا يتجاوز سعرها 120 درهم بطبعات فاخرة وورق جيد.

واليوم قيل لي بأن دار المتوسط نظمت حفل توقيع لكتاب لعبد السلام بنعبد العالي سعره 150 درهم؛ مع أنه لا يستحق هذا السعر؛ لكن بمناسبة حفل التوقيع ارتفع السعر إلى 250 درهما.

مثل هذه الشراهة والجشع في سوق الكتاب حول الثقافة إلى سلعة حتى هجرها الناس.

إذ كيف يجوز لدار نشر أن تبيع روايات خرافية للأطفال ب 200 أو 300 درهما؛ مع أن المفروض في المعارض تقريب الكتاب من القراء بأثمان تشجيعية لتحفيز القراءة التي باتت نادرة.

والمشكلة الأكبر هي مع دخول دور نشر خليجية إلى سوق الكتاب في السنوات الأخيرة زاد من رفع أسعار الكتاب مع أنها دور خليجية نفطية غنية وهي دور مدعومة؛ مع ذلك تضع أسعارا باهظة؛ لا نجدها حتى في الكتب الصادرة عن دور نشر غير خليجية كالدور المصرية أو اللبنانية؛ بل إن هذه الدور الأخيرة لديها كتب عزيزة ونادرة جيدة الطباعة كدار المعارف المصرية مثلا.

مثقفون وصحفيون مغاربة يتحدثون عن ظاهرة أسامة مسلم في معرض الرباط

كثير من هذه الدور رغم غلاء أسعارها لا تحترم حتى القارئ؛ لأنك تجد كتبها أحيانا فاخرة الطباعة وغالية الثمن لكنها غير مصححة ومليئة بالأخطاء الطباعية واللغوية؛ حتى عملية التصحيح لا يقومون بها.

وهذا كله في ظل تنامي دور النشر العربية في السنوات الأخيرة حتى أصبحت بالمئات؛ لكنها كسرت حتى القاعدة الذهبية المعروفة في علم الاقتصاد وهي أن كثرة العرض والتنافسية تخفض الأسعار.

العرب فعلا ليسوا قوم ثقافة بل قوم تجارة؛ حتى لو كثر التجار فإنهم يتحولون إلى النصب والاحتيال؛ وصدق ابن خلدون حين وصفهم بأنهم قوم انتهاب.

*الدكتور ادريس الكنبوري / كاتب صحفي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *