“وما‭ ‬زال‭ ‬الوقت‭ ‬لكي‭ ‬يُسمع‭ ‬العقلاء‭ ‬أصواتهم،‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬غير‭ ‬النعيق‭ ‬والنهيق،‭ ‬عفوا،‭ ‬عدا‭ ‬الصخب‭ ‬والغضب‭…‬ لما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬شعوبنا‭ ‬والمنطقة‭…‬” ‬

*حسن أوريد 

لا‭ ‬أدري‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لصوت‭ ‬خفيت‭ ‬من‭ ‬صدى،‭ ‬أمام‭ ‬جلبة‭ ‬الصراخ‭ ‬والصياح،‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬لجيل‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬ولا‭ ‬يسمع‭ ‬ولا‭ ‬يعقل‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬الصخب‭ ‬والغضب‭.‬‭.. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقلما‭ ‬تجد‭ ‬شعبين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يجمعها‭ ‬ما‭ ‬يجمع‭ ‬الشعبين‭ ‬الجزائري‭ ‬والمغربي‭. ‬.

ظهر‭ ‬هذا‭ ‬الإحساس‭ ‬حينما‭ ‬يلتقي‭ ‬مغربي‭ ‬بجزائري‭ ‬خارج‭ ‬بلديهما،‭ ‬فتقوم‭ ‬بينهما‭ ‬وشائج‭ ‬طبيعية،‭ ‬مثلما‭ ‬يبرز‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬في‭ ‬الخطوب‭ ‬والمُلمّات،‭ ‬كما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬ملحمة‭ ‬حرب‭ ‬التحرير‭ ‬الجزائرية‭ .‬

وحينما‭ ‬اكتوت‭ ‬الجزائر‭ ‬بلهيب‭ ‬الإرهاب،‭ ‬كان‭ ‬الشعور‭ ‬الغالب‭ ‬لدى‭ ‬المغاربة،‭ ‬هو‭ ‬المواساة‭ ‬والتضامن‭ …‬دعْنا‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬والسياسيين‭. ‬.

ذكر‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أسمعه‭ ‬في‭ ‬البيوتات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ربوع‭ ‬المغرب،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأطياف‭ ‬الثقافية،‭ ‬من‭ ‬تضامن‭ ‬خلال‭ ‬مع‭ ‬يُعرف‭ ‬بالعُشرية‭ ‬السوداء،‭ ‬سوى‭ ‬فئة‭ ‬قليلة،‭ ‬ولا‭ ‬قياس‭ ‬على‭ ‬الشاذ،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬بدْعا‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬الجزائريون‭ ‬عن‭ ‬تضامنهم‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬محنته‭ ‬لما‭ ‬ضرب‭ ‬الزلزال‭ ‬منطقة‭ ‬الحوز‭…‬ كان‭ ‬الشعور‭ ‬الغالب،‭ ‬هو‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬أطياف‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬إذ‭ ‬أتى‭ ‬الزلزال‭ ‬على‭ ‬بيوتهم،‭ ‬ورزأهم‭ ‬في‭ ‬أسرهم،‭ ‬سوى‭ ‬فئة‭ ‬قليلة،‭ ‬من‭ ‬الشواذ،‭ ‬ولا‭ ‬قياس‭ ‬على‭ ‬الشاذ‭…‬

ولكننا‭ ‬في‭ ‬تحول‭ ‬يصبح‭ ‬فيه‭ ‬الشاذ‭ ‬هو‭ ‬القاعدة،‭ ‬مع‭ ‬جيل‭ ‬نشأ‭ ‬ودرج‭ ‬على‭ ‬العداء،‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬الجهل‭… ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬فترة‭ ‬ساد‭ ‬فيه‭ ‬عداء،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحُكم،‭ ‬لاعتبارات‭ ‬إيديولوجية،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ينبني‭ ‬على‭ ‬الجهل‭… ‬كانت‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬بالمغرب‭ ‬تعرف‭ ‬الجزائر،‭ ‬ومنها‭ ‬من‭ ‬درج‭ ‬بها،‭ ‬وعانق‭ ‬توجهاتها،‭ ‬مثلما‭ ‬كانت‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬تعرف‭ ‬المغرب،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬عاش‭ ‬بالمغرب‭ ‬إبان‭ ‬حرب‭ ‬التحرير‭ ‬وقبلها‭… ‬

هناك‭ ‬وضع‭ ‬موضوعي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتجاهله،‭ ‬وهو‭ ‬الاختلاف‭ ‬حول‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭.‬ والحكمة‭ ‬أن‭ ‬نترك‭ ‬ما‭ ‬نختلف‭ ‬حوله،‭ ‬لفائدة‭ ‬ما‭ ‬نلتقي‭ ‬بشأنه‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للمغاربة‭ ‬أن‭ ‬يتحولوا‭ ‬عما‭ ‬يؤمنون‭ ‬به‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬مسألة‭ ‬وجودية،‭ ‬لأن‭ ‬المغرب‭ ‬ببساطة‭ ‬وُجد‭ ‬قبل‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وليس‭ ‬صنيعة‭ ‬ترتيبات‭ ‬كولونيالية‭…‬‭ ‬

ولو كنا‭ ‬مما‭ ‬سطرّه‭ ‬المستعمر،‭ ‬لكان‭ ‬حقا‭ ‬“بسط‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الصحراء“،‭ ‬تسلطا،‭ ‬واحتلالا،‭ ‬وما‭ ‬شئت‭… ‬ولم‭ ‬يفتأ‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬استقلاله‭ ‬يطالب‭ ‬باستكمال‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية‭ ‬والبشرية‭ ‬والمجتمعية‭ 

…‬لمن‭ ‬شاء ألا‭ ‬يشاطرنا‭ ‬تصورنا‭ ‬عن‭ ‬ذاتنا‭ ‬وتاريخنا‭ .‬نريده‭ ‬أن‭ ‬يبذل‭ ‬الجهد‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬موقفنا،‭ ‬وأن‭ ‬يقف‭ ‬وقفة‭ ‬موضوعية‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬استكمال‭ ‬وحدتنا‭ ‬عبر‭ ‬مراحل‭ …‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يستطع،‭ ‬فلنجعل‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬عارضتين،‭ ‬وهو‭ ‬أضعف‭ ‬الإيمان‭. ‬

قد‭ ‬يعتبر‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬مطامع‭ ‬تاريخية‭… ‬كلا‭. ‬.

لا‭ ‬يوجد‭ ‬عاقل‭ ‬بالمغرب‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬البعض‭ ‬بـ“المغرب‭ ‬التاريخي“،‭ ‬أو‭ ‬يؤمن‭ ‬بذلك،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬بدر‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الرسمي،‭ ‬وهو‭ ‬المرجع،‭ ‬يتحلل‭ ‬من‭ ‬الالتزامات‭ ‬التي‭ ‬أبرمها‭ ‬المغرب،‭ ‬وصادق‭ ‬عليها‭. ‬

يؤلمني‭ ‬حقا،‭ ‬وأنا‭ ‬أسمع‭ ‬نائبا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬يزعم‭ ‬أن‭ ‬الخريطة‭ ‬المعلقة‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬المغربي‭ ‬تتضمن‭ ‬تلمسان‭ ‬وبشار‭… ‬

وحللت‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬مرة‭ ‬بالبرلمان‭ ‬المغربي‭ .‬والخريطة‭ ‬الوحيدة‭ ‬هي‭ ‬الخريطة‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬بها‭ ‬المغاربة،‭ ‬من‭ ‬طنجة‭ ‬إلى‭ ‬الكويرة،‭ ‬ومن‭ ‬وجدة‭ ‬إلى‭ ‬رأس‭ ‬سبارتيل‭…‬ وهي‭ ‬لا‭ ‬تتضمن‭ ‬لا‭ ‬بشار‭ ‬ولا‭ ‬تلمسان،‭ ‬ولا‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالصحراء‭ ‬الشرقية‭…‬

الحدود‭ ‬عبر‭ ‬مسار‭ ‬التاريخ‭ ‬غير‭ ‬قارّة‭ ‬ومتحولة‭… ‬ولكن‭ ‬بنفس‭ ‬النظرة‭ ‬الواقعية‭ ‬التي‭ ‬تغلب‭ ‬على‭ ‬ذوي‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وتنطلق‭ ‬مما‭ ‬يربط‭ ‬بلدينا‭ ‬من‭ ‬مواثيق،‭ ‬وتقوم‭ ‬أو‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬خصوصية‭ ‬بلد،‭ ‬وحدوده،‭ ‬وعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونه،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تستحثنا‭ ‬نظرة‭ ‬مثالية،‭ ‬هي‭ ‬تذويب‭ ‬الخلافات‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬أوسع،‭ ‬هو‭ ‬اتحاد‭ ‬مغاربي‭ ‬كان‭ ‬أملَ‭ ‬جيل‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬قائما،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬ساكنة‭ ‬وجدة‭ ‬وبركان‭ ‬تجد‭ ‬ذاتها‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الطبيعي‭ ‬والثقافي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬مع‭ ‬منطقة‭ ‬وهران،‭ ‬وكذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬لساكنة‭ ‬مشرية‭ ‬مع‭ ‬فكيك،‭ ‬وأهل‭ ‬بشّار‭ ‬مع‭ ‬الرشيدية،‭ ‬ولمن‭ ‬يجد‭ ‬مصلحة‭ ‬اقتصادية‭ ‬من‭ ‬البليدة،‭ ‬أن‭ ‬يرتبط‭ ‬مع‭ ‬نظير‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬شريك‭ ‬في‭ ‬المحمدية‭ ‬أو‭ ‬مكناس،‭ ‬وهلم‭ ‬جرا‭… ‬حينها‭ ‬تصبح‭ ‬الحدود،‭ ‬حينما‭ ‬يستطيع‭ ‬الشخص‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬قيود،‭ ‬مجرد‭ ‬خطوط‭ ‬على‭ ‬الخريطة،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬التي‭ ‬أرست‭ ‬وحدة‭ ‬رغم‭ ‬الاختلافات‭ ‬الثقافية،‭ ‬واللسانية‭ ‬والمذهبية،‭ ‬والإحن‭ ‬التاريخية‭ ‬والدينية‭ ‬التي‭ ‬مزقتها،‭ ‬وما‭ ‬لبثت‭ ‬أن‭ ‬تجاوزتها‭… ‬

إن‭ ‬لم‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نعانق‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬المعاملة،‭ ‬والبرغماتية،‭ ‬فلْنكفُّ‭ ‬عن‭ ‬الكذب‭ ‬والافتراء‭…‬

وما‭ ‬زال‭ ‬الوقت‭ ‬لكي‭ ‬يُسمع‭ ‬العقلاء‭ ‬أصواتهم،‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬غير‭ ‬النعيق‭ ‬والنهيق،‭ ‬عفوا،‭ ‬عدا‭ ‬الصخب‭ ‬والغضب‭…‬ لما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬شعوبنا‭ ‬والمنطقة‭…‬‭ ‬

* مؤرخ الناطق السابق باسم القصر الملكي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *