بقلم: ذ.عزيز علوي المصطفى 

إخوتي إخواني في كل شبر من المغرب

لعل ما سأقوله في البداية سمعتموه منذ بداية ظهور وباء الكورونا الملعون. وباء شل العالم بأسره وقوته وطغيان بعض الفئة والدول. نعم سجننا بكل ما في الكلمة من معنا وفي قليل من الحالات سمح لنا بالبعد من منازلنا لبعض الأمتار او على الأكثر بعض الكيلومترات لقضاء ما نقتات به لكي لا نموت جوعا.

القطارات والبواخر وحتى الصواريخ العابرة للقارات والسيارات الفخمة التي نتباهى بها والمجوهرات التي نتزين بها في الأعراس ومناسبات الأفراح ومع الأسف حتى طقوسنا الدينية بما فيها من تعبد ومن جنازات الكل اختفى بغتة كيفما كان جاهنا وأموالنا وبنون وبناتنا.

إن نوعا من دمقرطة العالم ولو ستكون ربما ظرفية أظهرت للجميع على أننا ضعفاء وأكررها ولو ظرفيا بالنسبة للبعض.

لقد تبين لنا عبر هذا الامتحان القاسي ان صحة الإنسان الجسدية والعقلية هي أكبر من كل شيء يملكه وأنه دونها يفقد رأس ماله تماما، وما الموت إلا رحمة وفرجا له من العذاب.

كثيرا ما أتحدث مع الأصدقاء وخصوصا الميسورين منهم حول النظام الصحي في بلادنا لاحظت ان الأغلبية يستمعون الى كلامي بنصف أذن بل

أقرا في أعينهم أن هذا لا يحرك فيهم ذرة إحساس أو فزع بما أن أموالهم في حساباتهم في المغرب او في الخارج وان التأشيرة للسفر يحصلون عليها في خمسة دقائق إلى غير ذلك من التسهيلات وفي بعض الأحيان لهم طارئة خاصة تنقلهم على وجه السرعة الى كل بقاع الأرض. رغم كل هذا أُلِحُّ عليهم أن الله اختاركم لتكونوا أغنياء (بغض النظر عن الوسائل التي لا يهمني ذكرها في هذا المجال لكيف استعانوا بالشيطان لجمع أموالهم والله اعلم بالحق واغلق القوسين.) ولكن اعلموا وأنا صديقكم وطبيب في نفس الوقت انه في كل الحالات الاستعجالية لا مفر لكم من العلاج في وطنكم وبين احبابكم في مستشفيات ومصحات مغربكم وأنتم تعلمون ان المغرب يمشي بخطى حثيثة في هذا المجال رغم الخصاص الذي أنتم وبعض السياسيين الذين لا غيرة لهم بل يكنون البغضاء والحقد لهذا البلد، السبب الحقيقي لفقدان الثقة واستصغار واحتقار الأطباء والممرضين والممرضات وكل الأعوان في المستشفيات والمصحات وتنعتوهم بكل النعوت التي يعجز اللسان عن قولها

كفانا وكفاكم من هذا. فهذا الامتحان يبين لنا أنه من الآن يجب علينا ان نبني نظاما صحيا ثابتا لنوفر لذلك الإمكانات، وأكثر من هذا ان نفهم وبصفة نهائية على أن رد الاعتبار المادي والمعنوي لكل العاملين في هذا القطاع  الحيوي أصبح من الأولويات قبل أي شيء آخر قبل الدمار ونحن مقبلون او على الأقل معرضون في كل وقت وآن لما قد لا يخطر على البال وخصوصا وان الأوبئة مع الأسف أصبحت من بين الأسلحة التي يلوح بها بعض علماء الشر.

بقي كل أصدقائي في آخر حديث لهم صامتين وأعينهم تبحثن مستقر لها لكي تتفادى أن ترى عيْنَيَّا. فهمت آنذاك أن الرسالة وصلت وأتمنى ان الذاكرة ستُتقِن تسجيلها.

لما شعرت أن الجوَّ أصبح شيء ما مرعب قلت لهم أننا لن نتخلى عنكم ولكن نريد ان يذوق وطنكم وخصوصا الأطباء والممرضين من أموالكم إذا حل بكم مرض وهكذا ستجدون مستشفيات ومصحات جاهزة وأكرر أطباء وممرضين مبتسمين لا ينقصهم مال ولا اعتبار ليقوموا بواجبهم على أحسن وجه لأنهم ليسوا بملائكة الرحمان لا يأكلون ولا يشربون. تذكروا أصدقائي الأعزاء الأموال الطائلة التي تخسرون في الترفيه والرحلات وفي البارات والملاهي الليلية دون أن تنتبهوا (وهنا دون أن أشعر إتَّجَه نظري خصوصا إلى أحد الأصدقاء) ولكن حينما تؤدون درهما للطبيب او تسعيرة استشفاء في مصحة يظهر عليكم القلق وأنكم وقعتم ضحية غش واحتيال.

وأخيرا اسمحوا لي على هذه الجرأة في الكلام لأن السيل بلغ الزبى وأني لا أريد لهذا الوطن إلا المصلحة ولا أكِنُّ له إلا الإخلاص فَلْ نكن متلاحمين في السراء والضراء.

بعد هذا تناولنا وجبة العشاء وتبادلنا بعض النكت وافترقنا وكل حساب في راسو.

يقول الشاعر

وما نبالي إذا أرواحنا سلمت        بما فقدناه من مال ومن نشب

فالمال مكتسب والعز مُرْتجَعٌ     إذا النفوس وقَاها الله من خطب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *