حسين عصيد

 

حتى قبل أن يتم عرضه في القاعات السينمائية بالجزائر، والذي كان مقررا في 21 شتنبر الماضي، كانت السلطات الجزائرية قد منعت فيلم “بابيشا” من بلوغ الشاشات الفضية في جميع أقاليم البلاد، بحُجة أنه “خارج عن السيطرة!” ما أثار ضجة كبيرة في الوسط الفني الجزائري، خاصة أن هذا العمل الفني الراقي قد رُشح لجائزة “أوسكار 2020” عن صنف أفضل فيلم أجنبي.

“بابيشا” ببصمة مغربية

في الوقت الذي طال الحظر فيلم “بابيشا” في عُقر داره، الجزائر، التي تُعاني، منذ شهور، من قلاقل سياسية واجتماعية فاقمت حُلكة الحياة فيها، كان على موعد مع القاعات السينمائية في المغرب، بعدما تم الترحيب به في المملكة بصورة منقطعة النظير، خاصة أن الجماهير المغربية دائمة الاعتزاز بالأعمال الجزائرية، لا سيما أنها تُناقش -في أغلب الأحيان- ظواهر اجتماعية لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في المغرب، نظرا إلى لتقارب، الثقافي واللغوي، الكبير بين البلدين الجارين.

فتيات في مواجهة التطرف الديني

”بابيشا”، عنوان العمل، مصطلح في اللهجة المحلية الجزائرية يُقصد به الفتاة الجميلة، لكنْ في بعض مدن البلاد المحافظة تعدّ هذه الكلمة مخلّة بالآداب. ويجسّد الشخصيات الرئيسية في هذا الفيلم، الذي تلعب دور البطولة فيه الممثلة لينا خذري، كل من شيرين بوتلة وأميرا هيلدا، ويطرح في قالب درامي قضايا تتعلق بـ”العُشرية السوداء” في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي وتدهوُر الوضع السياسي والاجتماعي ويتطرق -بالخصوص- لمعاناة المرأة الجزائرية بسبب التطرف والإرهاب اللذين شهدتهما الجزائر آنئذ.

انطلاقا من حياة مجموعة من الفتيات اللواتي يقطنّ داخل مبيت جامعي للفتيات، تطرح مخرجة العمل مجموعة من القضايا المترابطة، منها سلوك فئة من الطالبات المقيمات في المبيت ومحاولتهن كسر الحواجز والتضييقات المجتمعية المفروضة على المرأة في أغلب البلدان العربية وما يتعرضن له، في المقابل، من مضايقات نتيجة تحرّرهن.

ولدى تطرقها لهذا الجانب من الحياة الليلية للفتيات، تعيد المخرجة إلى الأذهان، عبر هذا العمل، ما عاش الجزائريون من اضطهاد في تلك الفترة الحالكة وما تعرضوا له من حواجز أمنية مزيفة ومن اغتيالات وتفجيرات راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء.

حياة كالحة!

إلى جانب التضييقات التي كانت تعيش الفتيات في الشارع من متشددين دينيين ومن دعوات إلى وضع الحجاب والنقاب عنوة، صارت المؤسسات التعليمية والتربوية مهددة أيضا. وتمظهَر ذلك، بالأساس، في هذه الفيلم، من خلال هجوم عدد من المتشددين والمتشددات ممن يلعبون دور “الشرطة الدينية” على أستاذ داخل القسم كان يدرّس بالفرنسية، وتكفيره ونعته بالزندقة والكفر لأنه لا يستعمل اللغة الأم، أي العربية “لغة الإسلام”. كما نقلت مخرجة العمل هذه التضييقات عبر تكرار مشهد تهجّم مجموعة من المحجبات المتشددات على الطالبات داخل المبيت الجامعي ومطالبتهن بالكف عن الضحك والغناء وكل مظاهر البهجة؛ فـ”لا عروض ولا حفلات”، إذ هي في تقديرهنّ نوع من أنواع الكفر؛ ليصل الأمر إلى حد تمزيق الأقمشة والفساتين التي صُمّمت استعدادا لعرض أزياء تقيمه بطلة العمل “نجمة”، الملقبة بـ”بابيشا”، التي تدرُس اختصاص تصميم أزياء، رفقة صديقاتها المقيمات معها.

ورغم كل هذه المعاناة ترفض “نجمة” مغادرة الجزائر والهجرة نحو فرنسا رفقة صديقها، إيمانا منها بضرورة مواصلة الدفاع عن الوطن من المتطرفين والمتشددين دينيا وكل الراغبين في فرض وصايتهم على المرأة وفرض نمط حياة غريب عن المجتمع.

عُرض”بابيشا”، في ماي الماضي، في مهرجان “كان” السينمائي ضمن قسم “نظرة ما” وحاز إعجابَ النقاد. كما عرض في مهرجان “الجونة” السينمائي في مصر، في شتنبر الماضي، وفاز بجائزة أفضل فيلم عربي روائي طويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *