عبد الرزاق بوتمزار

 

ح. 68

بُوليزارْ بَيْنَنا!؟

 

كنتُ، في الحقيقة، أجد الإخوة الذين يُمثلون موريتانيا في المُسابقة الطلابية لُطَفاءَ جدّا “وعلى أدب وخُلُق”. وحين شرع ذلك النّادل البيضاوي في الحديث بالسّوء عن أحد مُجالسينا المُوريتانْ شعرتُ بحرج كبير وحاولتُ ثنيَه عن الاستمرار في كلامه؛ لكنه قاطعني:
-والله إنك نيّة ولا تعرف هؤلاء البّوليزارْيو على حقيقتهم!

مرّة أخرى، وجدتُ نفسي أتصبّب عرقاً أمام ذلك الهجوم الشّرس، الذي لو كنتُ أعرف أن مُواطني البيضاويّ سيشُنّه على جليسي لمَا كنتُ شرعتُ له الباب أصلا ولتركتُه يؤدّي مهمّته التي كان هناك من أجلها، “وْمْريضْنا ما عْندو باسْ”.

لكنّ صديقَنا البيضاوي، الذي قال لي في بداية حديثنا إنه أمضى ما يزيد على خمس سنوات في ليبيا، بدا مُصمّما كمن يعرف جيداً ما يتحدث عنه؛ فعندما قاطعتُه مُستنكرا وسألتُه:
-ماذا فعل لك المسكين حتى تُهاجمه بهذه القسوة؟
ضحك من كلامي وتابع هجومه:
-المسكين؟ أنت هو المسكين، لكنك لا تعرف!
أجابني، وهو ينظر في عينَيْ الطالب الموريتاني، وتابع:
-يجب أن تعرف أنهم، كلهم، مُجرَّد مُرتزقة ولا أحد فيهم يُكنّ ودّا للمغرب ولا لقضيته الوطنية.. لا تنخدع بمظهرهم البريء، إنهم مثل الحرباء…

قاطعته، محاولا أن أُفهمه أن الشّخص الذي يتهجّم عليه ما هو إلا طالب يُمثل بلاده في مُسابَقة أدبية لا علاقة لها بشؤون السياسة، ازدادت سخريته وتابع:
-مُسابَقة أدبية؟ نُوضْ أ مْسكينْ، الله يْجيبْك على خِيرْ! هادو راهْ ما عْندهُم لا مْع مُسابَقاتْ، لا مْع أدبْ.. ما كيْعرفو غيرْ البيعْ وْالشّْرا!

“ها قد بدأ الكلام غير المُباح”، قلتُ لي؛ ما معنى هذه الكلمات الكبيرة والفضفاضة؟

ورغم أنّي أفلحتُ في إسكات النادل وتغيير الموضوع، فقد تناسلت الأسئلة في دماغي، بعد ذلك، تباعا: لماذا ظلّ الطالب الموريتاني مُلتزما الصّمت ولم ينبسْ ببنت شَفة أمام ذلك الهجوم المباشر عليه؟ ولماذا يهجم عليه ذلك الشّخص أصلا دون غيره من أبناء باقي الجنسيات؟ وما معنى أنهم لا يعرفون إلا البيعْ والشّرا؟.. ثم ماذا يبيعون أو يشترُون هنا، كما قال؟!

أُصبتُ بالذعر وأنا أربط كلام النادل عن البيع والشّراء بمُحاوَلة ذلك “الطالب” الليبي، صباحَ اليوم نفسه، أن يبيع معي ويشتري. ولستُ أدري لماذا انتهيتُ، وقد استحضرتُ بعض المواقف والأحداث، إلى أنّني قد أكون، فعلا، ذلك المسكينَ الوحيد هنا دون أن أدري! وبدأتْ تتجلى لي حقيقة ما يجري على أرض العقيد: ما المُسابَقة الطلابية إلا غطاء على أمور أخرى، غريبة وخطيرة، تجري على أرض الجماهيرية باسم الأدب! رغم كلّ ذلك، حاولتُ أن أطرد عني مثل تلك الوساوس والتساؤلات ولو إلى حين انتهاء تلك النزهة الرّائعة.

قاسمَني جلسةَ الطعام، أيضا، طلبة وأستاذان من السّودان. وبدورها، أبتْ طالبة من هؤلاء، من باب المُزاح، كما قالت لي بعد فعلتها، إلا أن تُعكّر علي، بطريقتها، صفاءَ تلك الجلسة..

حين انتبهتْ إلى أنّي لم أكنْ أستسيغ تذوق “الحْرُورْ”، غافلتني وحكّتْ “فلفلة سودانية” على قطعة من اللحم أمامي ما إن ابتلعتُها حتى أحسستُ بالنيران تشبّ في فمي وحلقي. وفي الوقت الذي كنتُ أستشيط غضبا ونارا، انخرط بقية جلسائي في ضحك صاخب على المقلب الحارّ الذي ورّطتني فيه تلك “الفْليفلة”، كما أطلقتُ عليها في ما بعد.

على إيقاع تلك المُزحة -المقلب، رُفعت بقايا الأطعمة من أمامنا. سارعتُ أستنجد بجميع المشروبات الغازية المُتوفّرة لعلها تُطفئ النيران المُستعرةَ في جوفي؛ بينما الطالبة السّودانية تُلاحقني باعتذاراتها الضّاحكة/ الجادّة، وأنا أؤكّد لها أنّني قبلت اعتذارَها وإنْ كنتُ، في الحقيقة، أعرف أنّها لو لم تكنْ فتاة لكنتُ صفعتُها حتى ترى النجوم في عزّ… لِبدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *