عبد الرزاق بوتمُزّار

ح. 34

في سَنتنا الجامعية الثانية

لأنّني لم أكنْ وجهاً مألوفا داخل قاعات الدّروس والمحاضَرات ومُدرَّجاتها في الموسم الأول، لم يُفلح الكثير من الطلبة الذين جاورتهم في إخفاء دهشتهم وهم يرونني إلى جانبهم على مقاعد السّنة الثانية. ومثلَ الموسم الذي سبق، اكتفيتُ بالمحاضَرات الأولى لأرسم خريطةَ طريق خاصّةً بموسمي الجامعيّ الثاني.

كان عدد المسجَّلين في قوائم السّنة الثانية أقلَّ بسبب بقاء أعداد كبيرة من الطلبة في السّنة الأولى، التي اضطرّوا إلى الإقامة الجبرية بين أقسامها لأسباب تختلف من طالب إلى طالب ومن طالبة إلى طالبة. حتى ملامحُ الطلبة باتتْ تترسّخ أكثرَ وقسماتُ الوجوه ترتسم بوضوح في الذاكرة! وعلى الوتيرة نفسها، ابتدأ موسم جامعيّ آخرُ في درب الحصول على شهادة لاليصّانصْ المأمولة. وإذا كان أساتذة الجامعات يُلقون مُحاضَراتهم وسط حشود من الطلبة وينسحبون في هدوء إلى أن يحين موعد المحاضرة المقبلة، فقد كانت إمكانية التواصل بينهم وبين عموم الطلبة صعبة بالمقارنة مع غيرهم من أساتذة المراحل السابقة.

والحقيقة أنّ أولَ ما كان يحكم على مسار الطلبة الجامعيين بالنجاح أو بالفشل في دراساتهم هو مدى محافظتهم على هذه العلاقة مع أساتذتهم القدامى أو قطعهم دابرَها. في ما يخصّني، شهدتْ علاقتي بالكثير من أساتذة الإعداديّ والثانوي، في معظمها، نوعاً من الاستمرارية.

لم تمنعني إكراهات الدّراسة الجامعية من الحفاظ على كثير من العلاقات على هذا المستوى من التواصل، إذ ربطتني مع بعض أساتذة الثانوي والإعدادي علاقات إنسانية متينة؛ فكنت أزور بعضَهم في بيوتهم ويستقبلونني في مكتباتهم الخاصة وبين أبنائهم وأسَرهم. ومن مناقشة جديد الإصدارات وتبادُل الآراء حول آخر النظريات والتوجّهات في دراسات وقراءات الأدب، إلى اقتراضِ بعض هذه الكتب أو السّؤال عن إشكال أو نظرية، توسّعتْ دائرة معارفي أكثرَ وأضحتْ فُرَصي في مواكبة إيقاع الدّراسة بين أسوار الجامعة أكثرَ قوة ووفرة.

أخَلّت نتائج السّنة الأولى بحسابات العديد من الطلبة، بعد أن حكمتْ عليهم بإعادة الشّريط من البداية؛ لكنْ ما دمنا في الجامعة فلا ضيرَ في حكاية الرّسوب، التي كانت تحكمها مُعادَلات وزوايا نظرٍ مخالفة لِما كانت عليه الأمور في المراحل السّابقة. لم يعد تكرار السّنة، إذن، مَكمَن حسابات ضيّقة بالنسبة إلى بعض الطلبة! فوق ذلك، صارت بعضُ الوجوه، من كثرة تكرارها السّنة، تُضاهي في الشّهرة والتميّز وجوه المتفوقين الذين كانوا يُنهون العام بالانتقال إلى القسم المُوالي.

وبمرور الأسابيع، فالأشهر كانت ملامحُ الموسم الدّراسي تتشكل يوماً عن يوم وتكتمل حلقاته المفضية إلى الامتحانات النهائية، بشقّيها الكتابيّ والشفهي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *