عبد الرزاق بوتمُزّار

ح. 32

وتشبّثَ غريق بالغَريق

في اليوم الموالي، نستيقظ مُتأخّرين نسبياً. اليومُ هامشُ راحة، نسترجع في فترته الصّباحية أنفاسَنا من اختبار اليوم السّابق؛ وابتداءً من النصف الثاني من الصباح، كنّا نشرع في غزو الفضاءات الخضراء من جديد لتقليب صفحات المُحاضَرات التي سنُمتحَن فيها خلال اليوم التالي. نُناقش، أيضاً، الأسئلة وطرُق إجاباتنا عنها. نستحضر بعضَ المواقف التي شهدها اليوم الأول. نتندّر على الحالات التي ضُبطتْ وهي تتناقل، ونستحضر مواقفَ بعض الطلبة ممّن نعرف وهم يتصبّبون عرقاً بعد ضبطهم مُتلبّسين بجري “النّقيلْ”..

مرّ اليومان المواليان دون أن يُعكّر صفوَهما أيّ حادث. في اليوم الثالث، كان عليّ أن أكون طرفاً في عملية “النّقيلْ”؛ بعد أن تعرّفتُ، وأنا في الطريق إلى الاختبار، على “صديقٍ لصديقي”.. كان، وفق رقمه الترتيبي، الذي أعلمني بشأنه ونحن في الطريق على متن درّاجاتنا الهوائية، يجلس خلفي مُباشَرة! ولأنه “لم يحفظْ” ولم يستعدَّ لمادة دراسة المناهج الأدبية، موضوع الامتحان في ذلك اليوم، فقد “توسّط” له صديقنا المُشترَك لديّ؛ طلبَ مني أن أعتقه ببعض ما قد تجود به عليّ الذاكرة أمام السّؤال، خُصوصاً أنه كان معروفاً عني أنّني ممّن راهنوا على تلك المادّة منذ بداية السّنة؛ إذ كان أستاذها الجليل ممّن “رضيتُ عنهم” منذ حضوري أولى مُحاضَراتهم.

منذ ولوجنا المُدرّج في ذلك الزّوال وصديقُ صديقي يُذكّرني بألا أنسى صديقه. عندما ألقيتُ نظرة على السّؤال الرّئيسي ارتحْتُ كثيراً وأيقنتُ أني سأوقع على يوم مثاليّ. كان السّؤال مأخوذاً من التمهيد الذي قدّم به الأستاذ لمجموع مُحاضَراته التي ألقاها على مسامعنا على امتداد الموسم. لأول مرّة، قلتُ في قرارة نفسي: لن ألاقيّ صعوبة البداية أمام بياض الورقة، المُستفزّ دوماً لقدراتي؛ لكنّ تفكيري انحصر في ضرورة “إنقاذ” صديق صديقي، الجالس في وَقارٍ مُستعطفٍ في انتظار التفاتتي المأمولة نحوه. كلّ هذا وما قد يترتّب عنه من نتائج شكّل عائقاً أمام قضائي يوما سهلاً، كما تصورتُ.

لم أقرأ السّؤال إلا مرتين أو ثلاثاً. تأكدتُ سريعاً من أن ّالأمر يتعلق، فعلا، بالتمهيد وليس بمحورٍ آخرَ غيره؛ فتسارعت السّطور على ورقة الوسخ بسلاسة ودون كثيرِ توقفاتٍ. وفي لحظة مُنفلتة من عُقال الزّمن، التفتّ، أخيراً، نحو الغريق الجالس خلفي ومرّرتُ له ورقة تتضمّن المعلومات التي أوردها الأستاذ في مقدّمة مُحاضَراته.

بعد هذه الفعلة الجريئة مني، استبدّ بي ما يشبه دوخةً طارئة وسيولُ العرق تغسل أطرافي! تَشوشَ تفكيري وتضبّبت الرّؤية أمامي. طفتُ بناظريَّ على المكان وعلى مواقع وُجود الأساتذة المُكلفين بالحراسة، المنتشرين في زوايا المدرّج الفسيح، أستطلع ردودَ أفعالهم. لمّا لم يظهرْ على أحدهم ما يشي بأنه قد انتبه إلى حركتي، استعدتُ بعضَ هُدوئي وبدأتُ أحاول استرجاع فقرات التمهيد من أرشيف ذاكرتي. لكنْ، للحظاتٍ، بدا كأنّ كلَّ شيء قد امّحى! وهجمتْ عليّ الأسئلة: ماذا فعلتَ؟ افرضْ أنّ أحدَ الأساتذة لمح حركتك غيرَ محسوبة العواقب؟! ثم ماذا لو أنهم أوقفوك ويمنحوك من اجتياز الامتحانات، وربّما لسنوات؟ فيمَ كان سيفيدك صديق صديقك هذا؟!

بعد وقت ليس باليسير وأنا على هذه الحال استرجعتُ، أخيراً، الخيط الناظمَ. انكببتُ، من جديد، على تحرير الجواب، لحسابي هذه المرّة! اكتفيتُ بتغيير أسلوب عرض الموضوع وطريقة صياغة الجُمَل والتراكيب. أما المضمون فقد ردَدْتُه، كما هو، إلى مُنتظرِ بضاعته!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *