ياسين عدنان*

كأنّه رأسُ السنة الجديدة يطلّ علينا اليوم ملفوفًا في ضمادة..أيامُنا معطوبة، وسنواتنا الأخيرة مضرَّجة في الخسارات. فهل تكون السنة الجديدة أحسن حالًا؟ وهل نطمع في أن ننزع عن رأس السنة الجديدة ضمادته الخَلِقة الملطّخة بالدم والصديد؟
لنتوسّمْ خيرًا إذن.

عسى الجهود تتكثّف خلال 2019 لمساعدة المواطن العربي على استعادة إنسانيته.. لم تعد لدينا أحلام طموحة ولا أوهام جموحة. أقصى أمانينا هو أن تصير لدينا شعوبٌ، كباقي شعوب الأرض، تنشغل بقضاياها الأولية وتفكّر في تحسين مستوى العيش ورفع جودة الحياة.

لقد تحوّلنا في العالم العربي إلى ما يشبه “حيوانات سياسية” لا تهتمّ بقضايا البيئة ولا بنظافة الحيّ ولا بحُسن إضاءة الشارع. لا تحرص على الذهاب إلى المسرح والسينما، ولا تواظب على المجلة والكتاب. بل ولا تشغل بالها حتى بالبحث عن فرص قضاء إجازات هنيّة، كما يحصل في كل بلاد الدنيا.

كأنّ المسرّات الصغيرة التي تشغل العالمين لا تشغل بالنا. لكأنّ حلاوة العيش لا تعنينا، بعدما صارت السياسة مبلغَ همِّنا وخبزَنا اليومي. وأيُّ سياسة؟

تشغلنا السياسة، ليس بوصفها فكرا وفلسفة وتأملا في القضايا الكبرى والأسئلة المصيرية، ولا بوصفها إطارا لبناء التوافق المجتمعي ووضع برامج التنمية، وإنما باعتبارها جدلا بيزنطيا، ومُكايدات حزبية، وصراعات انتخابية، ومشاحنات عرقية، واحترابات طائفية، وعدوانية مجانية حينا ومدفوعة الأجر أحيانا، وتنابُزا بالألقاب التحقيرية والأحكام التكفيرية. وها نحن نرى الإشاعة تسود وتنتصر على الخبر، والقذف يضحي أسرع من الحجة وأبلغ من البرهان.

ها نحن نرى العدوانية تستشري… والعنف يشتدّ ويحتدّ… من أوّل العنف اللفظي حتى التَّوْق المسعور للتصفية الرمزية لكل مُختلِف في الموقف والرأي. فالتربُّصُ بمن يُناقض الرأي أو يُعارِض الموقف والرغبةُ في إيذائه وتدميره يستشريان في كل فضاءات احتكاك البشر ببعضهم البعض: من المجال العمومي إلى الفضاء الإلكتروني، ومن الحزب السياسي إلى موقع التواصل الاجتماعي… لذا، أتمنّى أن تحصل في 2019 “معجزة” ما تُعيدنا إلى آدميتنا.

نحتاج رجّة تذكّرنا بأننا بشر كالآخرين، ومواطنون أيضا، نستحق أن نحيا في مجتمع المواطنة، حيث الحقوق محفوظة والواجبات مرسومة والتعايش نمط حياة.

ولن يتحقق ذلك ما لم تُراجع الأطراف السياسية العربية مواقفها اللاوطنية واللاقومية وحساباتها الأنانية الضيقة لتعيد التفكير في الإنسان وتعطي الأولوية لبناء الإنسان.
لن يتحقق ذلك ما لم يُراجع إعلاميو التجييش والتحريض المرتزقة، الذين أجّجوا الكثير من النعرات السياسية والطائفية بيننا وتاجروا فيها وفينا، أنفسهم وكفّوا عنّا شرورهم.

وإلا فما ينتظرنا، مع الأسف، ينذر بالمزيد من التردّي، وبالمزيد من القتل الأعمى، المادي والرمزي، والمزيد من التدمير الذاتي لنا، كأفراد وجماعات ومجتمعات ودول.
ومع ذلك، سنة سعيدة أيّها الأصدقاء… رغم الضمادة التي تلفُّ رأسها المعطوب.

*أديب وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *