د. خالد الشرقاوي السموني*

ظلت قضية مكافحة التطرف والإرهاب تتصدر قضايا الرأي العام الوطني والدولي، لما لها من تأثير سلبى على عقول الشباب بصفة خاصة. وشهد المغرب خلال السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا في مجال مكافحة التطرف والإرهاب ووضع إستراتيجية في هذا الشأن، شرعت في تنفيذها مختلف الأجهزة الأمنية. وحققت الإستراتيجية نتائج ملموسة، إذ سعت إلى محاربة الأفكار المتطرفة والجريمة الإرهابية، خصوصا أن هناك تصاعدا للتنظيمات الإسلامية التي تتبنى العنف والجهاد الأعمى، والتي عرفت انتشارا في شمال إفريقيا ودول منطقة الساحل.

وقد أثبت الواقع أن الشباب هم أكثر شريحة مستهدفة من قبَل التيارات الإرهابية والمتطرفة، إذ يستقطبون الشباب عن طريق الدين ويزرعون أفكارا متطرفة داخل عقولهم، مثل كراهية الآخر وتكفيره، وإقناعهم بأن “العنف والقتل جهاد فى سبيل الله”، وهو “الطريق لدخول الجنة”.

فبعض الشباب، فى هذه المرحلة العمرية الحرجة، يعيشون نوعا من الفراغ والاضطراب النفسي والتوتر لظروف اجتماعية، وقد يصبحون لقمة سائغة لشيوخ التطرف، عن طريق بعض المساجد التي ينتشر بها هؤلاء الدعاة المتشددون، خاصة فى القرى والأحياء المهمشة. أو يتم استقطابهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، التي عرفت انتشارا واسعا في العالم.

وبعد أن يسيطر على عقولهم الفكر الضالّ، يبدي الشباب نقمتهم وسخطهم على المجتمع، فيكرهون الدولة ومؤسساتها ويتهمون الجميع بالكفر، بعد أن يكون شيوخ التطرف قد أقنعوهم بأن هذه الأفعال “من صميم الدين”، بتحفيظهم بعض الأحاديث الموضوعة (الكاذبة) والمنسوبة زورا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقتل الآخر جهادا في سبيل الله، ويأتون بآيات قرآنية ويفسرونها لهم حسب أهوائهم.

إن المسئولية فى حماية الشباب من الفكر الضال وتنشئتهم تنشئة صحيحة وسوية تقع على الأسرة، أولا قبل المدرسة والمجتمع، لكونها البيئة الأولى في رعاية الأبناء. وهي المطالبة بأن تغرس بداخلهم روح الوطنية والإنسانية، والعمل على نزع التطرف والانحراف الفكري من عقولهم، وتعريفهم بالدين الصحيح، مع غرس القيم والمعتقدات التى تدعم التسامح ومحبة الآخر وقبوله، بمعتقداته وأفكاره.

ينبغي، كذلك، تعليم الأطفال والشباب الفنون المختلفة، سواء الموسيقى والمسرح والرسم وغيرها، إذ يرتفع لديهم منسوب الحس الجمالي وتكون طاقة الحب لديهم كبيرة، وينشؤون على حب الخير والجمال والحياة. فمثل هؤلاء يستحيل أن يصدر منهم تطرّف أو تعصب أو عمل إرهابي يُزهق أرواح الناس.

وتبقى مسؤولية ق مؤسسات الدولة كبيرة ومهمة في حماية الشباب من الأفكار الضالة الهدّامة، عن طريق التربية والتوعية والتعليم وتعزيز روح المسؤولية والمبادرة لديهم، لزيادة حسهم الوطني، وتوضيح خطر التطرف في المدارس والجامعات وجميع المؤسسات التعليمية والتربوية ولدى مختلف شرائح المجتمع، وإشراك مختلف مكونات المجتمع، من مؤسسات حكومية وجمعوية لمحاربة التطرف، واستثمار المساجد والأئمة ومساهمتهم، من خلال الوعظ، وتفعيل الخطاب الديني المعتدل.

كما لا ننسى أن تكريس قيم التسامح والتعددية وثقافة احترام حقوق الإنسان في المجتمع وترسيخها وقبول الآخر من خلال المؤسسات المعنية بالتوجيه والتربية من الأمور التي قد تعالج المجتمع من سرطان التطرف والإرهاب، الذى انتشر بين الشباب بسبب بعض رجال الدين المتشددين.

فبالحب والتسامح والرحمة يعيش الناس فى سلام. وهذه هي مقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء.

*ناشط حقوقي مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *