Le12.ma- الرباط

يتميز الشهر الأبرك عند أهل الرباط بعادات وتقاليد عديدة تشابه العادات المغربية الأصيلة، في بعض الأمور لكنها تختلف في عدة خصوصيات فريدة، والتي من شأنها أن تثري التنوع الحضاري والثقافي لبلادنا.

تبتدأ التحضيرات للشهر الكريم منذ شهر شعبان، حيث تقتضي أول مرحلة للتهيئ، شراء مستلزمات أطباق الفطور الرسمية، بعد ذلك تتكلف سيدات المنزل بتحضير هذه الوجبات الخاصة بمائدة رمضان الرباطية. والتي تعتبر مقوماتها الرباطية الأحادية، وهي “السفوف” وهي حلوى مسحوقة عبارة عن خليط من الطحين واللوز والسمسم (الجنجلان) واليانسون (النافع)، “الزميتة” وهي حلوى وصفتها الأصيلة ذات منبِت رباطي أندلسي محض، تُحضر من خليط الشعير والحمص وبذور البطيخ (البطيخ) وبذور البطيخ الأحمر (الدلاح) وبذور الكتان (زريعة الكتان) والشمر (حبة حلاوة) والكروياء (الكروية) والأسينوس (المانتا) والزعتر والنعناع الجاف (اليابس)، إضافة إلى السمسم واليانسون والقرفة، ثم “المخرقة” وهي حلوى مفتولة ذات خليط بالسمسم واليانسون والقرفة والزيت وماء الورد والبيض، الكل مقلي ومغمس في العسل ومزين بحبات السمسم.

وأيضا “الشباكية” وهي حلوى أندلسية محض أصيلة ذات شكل مورد تحضر من خليط الدقيق والسكر والكركم وماء الزهر، ثم تقلى وتنغمر في العسل، وكذلك “المرشوقة” وهي حلوى اللوز ملفوفة في ورق العجين المثلث، تختلف عن “البريوة الفاسية” بكون اللوز المكون لها يُقلى قبل أن يُلفّ، ثم أنها تُزين بحبوب السمسم.

كما يولي أهل الرباط شهر الغفران عناية خاصة حيث يشرعون فور الإنتهاء من إعداد الوجبات الرمضانية الأساسية، في حملة تنظيف وتنظيم غير مسبوقة، فيُهيَّئ المنزل لإستقبال الشهر الفضيل ويطلقون على هذه العملية التنظيفية إسم “العواشر”.

في ذلك الخضم، تُشترى الحاجيات الأساسية للمطبخ المسماة “التموين” بكميات كبيرة والتي تتكون من الدقيق والسكر والزيت والزبدة والتمر والشريحة، إضافة إلى بعض الأواني الخزفية والمغارف الخشبية ويُستودع الكل بالمخزن “بيت الخزين”.

وعند الفراغ من أداء كل هذه الواجبات المنزلية، يُفسح المجال أمام أهل الرباط للإحتفال والإستعداد نفسيا وبدنيا لإستقبال الشهر المبارك عبر إحتفالات شعبانة التي قد تمتد طقوسها طيلة الأسبوعين الذين يسبقان حلول شهر رمضان.

وعند تبوث رؤية الهلال تطلق النساء الزغاريد ويتبادل الرباطيون التهاني قبل الإستعداد لأداء أول صلاة تراويح بعد العِشاء، وقبل الدخول للمنزل يتصدق أرباب الأسر على صاحب المزمار الذي يجول الأزقة للإعلان هن حلول شهر الصيام (حقّ النفّار)، و يتم تحضير وجبة السحور الأولى التي تتميز بوفرتها بيد أنها تعتبر عَشاءا كذلك، وتعرف العادة الرباطية تحضير طبق اللحم بالبيض واللوز (طياب المغدور).

وفي صباح أول يوم من شهر الصيام، وبعد أداء صلاة الصبح تُقرأ آيات من الذكر الحكيم ويُؤخذ قسط من الراحة لمزاولة العمل بعد ذلك.

أما بالنسبة لسيدات المنزل فيبدأن بالطبخ والقيام ببعض الأعمال المنزلية. وبعد صلاة العصر يقوم أرباب الأسرة بالتسوق وإبتياع كل ما ينقص البيت ذلك اليوم، ثم يعودون للمنزل لقراءة القرآن أو الأوراد (للمنتمين لطرق صوفية) لحين آذان المغرب.

ولمكافأة الصائمين، تُفرش مائدة الإفطار الرباطية التقليدية الأصيلة، المغطاة بمفرش مطرز على الطريقة الرباطية (مرقوم)، وتتكون هذه المائدة حصراً من الماء والحليب والتمر والشريحة والمخرقة والشباكية والمرشوقة والبيض المسلوق وفطور “بوفرتونة” (الحريرة الأندلسية، أصلها من buena fortuna أي الحظ الجيد) التي تشرب بمغرفة الخشب(المغرفة).

وتختلف هذه الشوربة عن الحريرة بمكوناتها الخاصة التي تعتمد على الأرز والكثير من الطماطم (عشر حبات كبيرة أو أكثر) وتفضيل القزبرة على البقدونس في الكمية وإلزامية وجود الزعفران.

إضافة إلى أن الفطور الرباطي يتميز بصبغته الحضرية التي تفترض فيه عدم وجود المعجنات من رغايف وبغرير ومخامر، كما هو الحال في أغلبية المناطق الأخرى.

وتقدم وجبة العشاء تباعا، أي مباشرة بعد وجبة الفطور وهو ما يسميه أهل الرباط بمسمّى “بومردوف”، ويتكون العشاء من طبق رباطي أصيل أو طاجين مغربي تقليدي مرفوق بسلطات الموسم “جناب الطابلة” وبالخبز الرباطي المزخرف (خبز مزوق).

وللإشارة، فصلاة المغرب تُؤدّى في المنزل جماعة مباشرة بعد شرب رشفة ماء وتمرة، وعند قضاء الصلاة يلتحق الصائمون بالمائدة مرة أخرى لإستكمال فطورهم، ثم بعد ذلك يأخذون قسطا من الراحة قبل الإستعداد للذهاب للجامع لأداء صلوات العِشاء والتراويح.

وبعد الإنتهاء من الصلاة، يلتقي الأصدقاء أو أهل العائلة الواحدة من الرجال بإحدى البيوتات للعب الورق (الكارطة) في أمسيات سمر، وتُلعب على وجه الخصوص لعبة “التجاري” الرباطية الأندلسية على نبرات موسيقى الآلة، بينما تجتمع النساء للتكلم مع بعضهن وغناء مقطوعات رباطية تقليدية “العماير” في شقها الديني المديحي مع تقديم صينيتي الشاي والقهوة وبعض قطع الحلوى الرباطية ك‍ “پاليپا” مرفوقة بالسفوف والزميتة. وتبقى جلسات السمر قائمة إلى ساعات متأخرة من الليل.

أما بالنسبة لمائدة السحور، فهي تتكون من مأكولات عديدة كالخبز المحمص الرباطي (الشفار بالزبدة) والعجّة (البيض مقلي بالزبدة) وميڭاز (طبق الخبز الجاف المُعاد تشكيله في مختلف صيغه) كأطباق تقديمية ثم طبق المرق بأرجل الخروف (مريقه بالكراعن) والسفة الرباطية المردومة (بحبات الكسكس) والكفتة الرباطية (الكفتة حرش) وقوارمة والشرمبق وأطباق مختلفة أخرى كوجبات رئيسية.

وعلى العموم، يجتمع أهل رباط الفتح مع إخوانهم من المناطق الأخرى في عادات وممارسات نظيرة تخص شهر رمضان، بينما يتميز الرباطيون الأندلسيون ببعض العادات الغذائية الحصرية والتقاليد البارزة الخاصة بهم.

كما يتصف الرباطيون في هذا الشهر المعظم بإحترام هذه المناسبة الدينية الأطول في السنة بأداء فرائضها وسننها وبالمعاملة الكريمة والكلمة الطيبة وصلة الرحم مع بعضهم البعض وبتآزر عائلي غير مسبوق وكذا بالإستمتاع والمرح في نسائم الليل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *