إلياس الزاهدي -le12.ma

في الوقت الذي يواصل الجزائريون احتجاجاتهم بإصرار وعزيمة لا ينفكّان يزدادان قوة منذ ما يزيد عن 37  أسبوعا، يزداد ارتباك أجهزة القمع العسكرية، التي يبدو أنها استطابت نهب الجزائريين وإخضاعهم، بشتى الطرق والوسائل.

ومن مظاهر هذا الارتباك في التعاطي من جانب العسكر الحاكمين مع احتجاجات الشارع الجزائري هذا اللجوء  إلى العنف المفرط حدّ السادية في تفريق وقفة لرجال القضاء بصورة تعود إلى الأزمنة البائدة من قبَل قوات القمع والتسلط المسلَّطة على رقاب الجزائريين منذ إحكام العسكر قبضتهم على الحكم في الجارة الشرقية.  

لقد بلغت وحشية الضرب الذي تعرّض له رجال العدالة حدودا مفرطة في العنف المرتجَل، الذي يشي بتشبّع عقلية العسكر وتشبّثها بطريقة واحدة للتفكير: العصا لمن عصى! لكنْ ما هكذا تؤكل الكتف.

في عقليات المتحكمين في رقاب الشعوب يصعب أن تجد خلية قد تُسعف في التفكير في أن هناك حلولا أخرى غير القمع والترهيب والمنع لأية مشكلة قد ينتج عنها خلافٌ في الرأي أو في طريقة الفهم واقتراح الحلول الممكنة.

وعقليات حكام الجزائر تتبنى هذا الخيار الوحيد (العنف) حدّ الإيمان به وجعله “عقيدة” للحكم، على ما يبدو، إذ أفرطت الأجهزة القمعية في ضرب القضاة بطريقة عدّها جزائريون غاضبون تراكُم أخطاء العسكر الحاكمين “إهانة للعدالة وللدولة الجزائرية ربما لم تحدُث في تاريخ البشرية”، كما عبّرت عن ذلك إحدى الجزائريات.

هذا التدخل الوحشي، لن يمر هكذا عند احرار وحرائر بلد المليون شهيد بقدر سيكون بمثابة صبّ للزيت في بركة الاحتجاجات التي تزداد اتساعا، وبتداعيات غير محمودة العواقب.

سيذكر أحرار العالم بكل عبارة الإدانة مشهد  الخزي والعار صادم، بعدما اقتحمت القوات العمومية، بكل أنواعها، حرم المحكمة في وهران لتفريق وقفة سلمية للقضاة الذين يعدّون الملاذ الأخير في كل المجتمعات. بل و التدخّل القمعي، لتفريق الوقفة السلمية للقضاة طبعه عنف “موجَّه” إذ امتدّت به الهراوة ليس إلى رؤوس القضاة المحتجين وضلوعهم فقط، بل حتى إلى رؤوس المحامين والمتقاضين، دون استثناء رأس أو ضلع.

أمام هذا الوضع الذي إنحصر فيه النظام في الزاوية جراء الاحتجاجات الداخلية، يبدو أن العسكر، حكّام قصر. المرادية الحقيقيين، بغضّ النظر عن خلفية “الرئيس” أو إيديولوجيته أو برامجه، لا يعرفون غيرَ خيار واحد ووحيد ربما يمثل في قناعاتهم   في “الحلّ”، أي وضع إرادة الشعب تحت حذاء العسكر، بينما هو في الحقيقة جوهر المشكلة.

إن ما جرى مع قضاة الجزائر، أجمهز مبكرا على إلتفاف النظام على إرادة الشعب في إسقاطه، عبرر خدعة خيار الانتخابات، المنتظرة في 12 دجنبر المقبل، والتي لا يبدو بالنسبة لغالبية الجزائريين خيارا وحيدا للخروج من هذا المأزق الذي دخلت في عنقه البلاد، وإلا فكيف للقضاة أن يشرفوا على انتخابات صنعت خرائطها في الغرف المظلمة للقمعي الأول في البلاد، جنرال الرابعة إعدادي.

الكرة الآن في ملعب أحرار العالم وقضاة العالم.. أما منظمات تجارة التقارير الحقوقية، فهي غير معنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *