رشيد نيني

 

البعض يردد مثل ببغاء أن صعود بايدن سوف يجعل المغرب في موقف صعب بسبب ملف حقوق الإنسان.

لأن بايدن وحزبه عندما يدخلون البيت الأبيض يضعون ملفات حقوق الإنسان وحقوق الأقليات نصب أعينهم.

هؤلاء يجب أن يفهموا أنه إذا كان هناك اليوم مكان في العالم تداس فيه حقوق الإنسان وحقوق الأقليات فهو أمريكا تحديدًا، وقد شاهد العالم بأسره طيلة الأشهر الأخيرة ومنذ اندلاع الجائحة مشاهد تؤكد ذلك بالصوت والصورة.

ثانيا بايدن وحزبه مهتم بحقوق الإنسان لكن ليس من أجل الإنسان بل من أجل مصالح أمريكا تحديدًا.

ويجب على العرب والمسلمين أن يكفوا عن ترديد السخافات والاستمرار في الاعتقاد أن بلدانهم أو أرواحهم أو أموالهم أو كرامتهم تهم بايدن وإدارته في شيء حتى ولو أبيدوا عن بكرة أبيهم من فوق سطح الكرة الأرضية، فما يهم أمريكا هو المواد الأولية التي ترقد في باطن بلدان العرب والمعابر البحرية حيث تمر التجارة ومنابع المياه، أما خطابات حقوق الإنسان والعدالة والحريّة فهذه ليست سوى أدوات يستعملها البيت الأبيض بغض النظر عن ساكنه لتبرير وشرعنة حشره لأنفه في الشؤون الداخلية لهذه الدول وابتزاز أنظمتها حتى آخر قطرة غاز وبترول وماء.

العالم يسير بهذه الطريقة منذ الأزل، المصالح تبرر كل الجرائم في حق الأفراد والجماعات والدول، يكفي أن تدفع للكبار لكي تحصل على الإذن للقيام بما تريد، شرط أن يكون لديك سيناريو محكم، أما الضمير العالمي وغير ذلك من الخزعبلات فهي شعارات لدغدغة عواطف جمهور الجزيرة وقنوات محور تركيا التي تتعهد جمهورا بالملايين بالرعاية وتعطيه المهدئات والمهيجات حسب نوع الجلاد ونوع الضحية.

لذلك فأولى الأولويات بالنسبة إلينا في المغرب ليس لصالح من ستؤول الأمور في هذا البلد أو ذاك بل أين توجد مصلحتنا بالضبط. أي أن مصالح المغرب يجب أن تكون هي المبتدأ والمنتهى بالنسبة لكل مغربي.

ولهذا يجب استحضار المقولة المأثورة التي تقول “إذا أردت تحرير وطن فضع في مسدسك 10 رصاصات تسع للخونة وواحدة للعدو فلولا خونة الداخل ما تجرأ عليك عدو الخارج”.

بمعنى أن أعداء الداخل هم أخطر ألف مرة من أعداء الخارج، وأعداء الداخل هم أولئك الذين يتلقون الدعم السخي لجمعياتهم ومنظماتهم ومقاولاتهم الإعلامية من الخارج لتنفيذ أجندات دول أجنبية في المغرب تحت غطاءات مختلفة.

هؤلاء يجب تطبيق القانون في حقهم وقطع الإمدادات الخارجية عن حساباتهم البنكية، وإخضاع حساباتهم للافتحاص لتبرير مداخليهم لحماية السيادة والأمن الداخلي للوطن.

فالنموذج الذي يسير نحوه عالم ما بعد جائحة كورونا لن يكون لا اشتراكيا ولا رأسماليا ليبراليا، وإنما عالم ستكون فيه للدولة ومؤسساتها، وخصوصًا أجهزتها الأمنية وجيشها وصحافتها الوطنية، الكلمة الفصل.

لقد تعرضت مؤسسة الدولة لضربات كادت تفقدها أحيانًا هيبتها، فهي دائما متهمة، عن حق وعن باطل، بالتقصير والشطط وغيره من التهم التي تسود بها المنظمات الحقوقية العالمية تقاريرها.

واليوم عندما ضربت الجائحة الشعب لم يجد من جدار يحتمي به سوى الدولة ومؤسساتها.

لذلك فمغرب ما بعد كورونا لن يكون هو نفسه مغرب ما قبل كورونا. علينا أن نطوي صفحة الطابور الخامس الذي كان مرتهنا للقوى الدولية والذي ظل يستقوي على البلد ومؤسساته بعلاقاته تارة في الإليزي وتارة في البيت الأبيض.

علينا أن نضع الثقة في مقدرات بلدنا وشعبنا لكي يخرج سالما من هذه الأزمة وأن يستخلص الدروس الواجب استخلاصها، وأن يضع صناع السياسات العمومية نصب أعينهم أن أعداءنا المستقبليين الحقيقيين هما اثنان لا ثالث لهما: ندرة المياه والكوارث الطبيعية الناجمة عن تدمير البيئة، والفيروسات والأوبئة.

هذا يفترض التركيز أساسًا على البنى التحتية لتدبير محكم وعقلاني للمياه والمؤسسات الصحية وتكوين الموارد البشرية الضرورية لخوض هذه المعركة التي ستكون معركة دائمة ومستمرة.

والواقع أن هناك تقارير يجب على المسؤولين عن تسيير الشأن العام لا الاكتفاء فقط بمطالعتها بل عليهم تعليقها على أبواب مكاتبهم حتى يظلوا منشغلين بمضامينها ومستحضرين لخطورتها.

ومن ضمن هذه التقارير تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حول مستقبل العالم خلال الثلاثين سنة المقبلة. وأهم “نبوءة” جاءت في التقرير هي أن الاضطرابات والثورات الشعبية لن يكون المحرك الرئيسي فيها هو العامل السياسي أو الحقوقي بل العامل البيئي.

مما يعني أن استمرار الأنظمة ودوام الاستقرار لديهما علاقة مباشرة بالمتغيرات البيئية أكثر من المتغيرات السياسية، والمغرب حسب التقارير الدولية التي تصدرها المؤسسات العالمية المتخصصة سيعرف تغيرات مناخية كبيرة خصوصا على مستوى الماء، إذ يصنف تقرير الأمم المتحدة المغرب ضمن قائمة الدول التي يتراجع فيها منسوب المياه الجوفية بنسبة تتراوح ما بين 20 و50 بالمائة سنويا.

ما يقوم به المغرب حاليا بأوامر مباشرة من الملك من إطلاق لمشاريع تحلية مياه البحر في أكادير والدار البيضاء والعيون وغيرها من المدن يدخل في هذا التوجه الحيوي نحو ضمان السيادة المائية التي ستحتاجها الثورة الفلاحية التي انخرط فيها المغرب.

وليس عبثًا أن المغرب يتجه نحو الطاقات البديلة الشمسية والهيدروجينية والريحية وغيرها من الطاقات النظيفة، فالعالم بأسره يخطو نحو هذا الاتجاه لتحقيق السيادة الوطنية والاكتفاء الذاتي، والذين لم يفهموا هذه الإشارة سيتخلفون عن الركب.

لذلك فالذين يتساءلون ماذا سيربح أو سيخسر المغرب وراء صعود بايدن ونزول ترامب عليهم أن يتساءلوا أين توجد مصلحة المغرب وأن يفهموا أن المغرب أعرق من أن ينتظر من سيخرج من صندوق الاقتراع في دول بعيدة لكي يضع مخططات حاضره ومستقبله.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *