بقلم: أحمد الدافري

            

عشية أمس، أثارني منظر رجل يعاني من وزن زائد جدا، ومن انتفاخ كبير في البطن، داخل عربة القطار التي كنت أوجد فيها أنا وهو فقط..

عندما صعدت إلى العربة وجلست في مقعدي ووضعت شاحن هاتفي المحمول في مأخذ التيار الكهربائي المثبت أمام المقعد، انتبهت إلى وجود الرجل في أحد المقاعد الأربعة المتواجهة مع بعضها مثنى مثنى على يساري.. كان يتحدث في الهاتف بصوت مرتفع.. وفي انتظار أن يُشحن هاتفي قليلا، وأزيله من التيار الكهربائي وأبدأ في استعماله، وجدت نفسي دون أن أرغب، أستمع إلى محادثته في هاتفه.. كان يشكو لمحدّثه من أشخاص ما، لا يريدون به خيرا : “راهم تابعينّي حتى فصحتي آ السي نور الدين.. والله ما يبغيوك تكون صحيح”..

حاولت أن أفكر في أشياء أطرد بها صوت الرجل من أذني، لكن استعصى علي ذلك.. لم يتوقف الرجل من الشكوى ويغلق الخط، إلا بعدما جاءت السيدة المسؤولة عن مراقبة تذاكر القطار..

 لحظة قصيرة بعدما راقبت السيدة تذكرتينا، وانسحبت، انتشرت رائحة مثيرة في العربة. التفتت نحو الرجل فاكتشفت أنه يلتهم سندويتشا ويعب مشروبا غازيا.. أدركت أن الأمر يتعلق بسندويتش ديال الكفتة والفريت .. فأنا لم أكن قد تناولت بعد أي طعام خلال اليوم كله، وكل ما أدخلته في جوفي هو الماء، وبرادا من الشاي بدون سكر ولا نعناع، فكدت أقوم من مكاني وأتوجه إلى كافيتيريا القطار، حتى أنأى بنفسي عن الرائحة المثيرة،  لو لم أتوصل بمكالمة هاتفية، اضطررت أن أخرج للإجابة عنها في المنصة الفاصلة بين العربتين.

عند عودتي لمكاني، وجدت الرجل قد أنهى السندويتش وقارورة المشروب الغازي، وانهمك في أكل شوكولاطة.. بصحتو وراحتو.. وفي الوقت الذي كان فيه يتبنن طعم الشوكولاطة وهو واضع ليزيكوطور في أذنيه، انبعث رنين هاتفه.. فتح الخط وقال :”وا نكمل لك آسي نور الدين”.. وشرع مرة أخرى يشكو لمحدثه من الأشخاص الذين لا يريدون به خيرا ويحسدونه حتى على صحته..  حينها، وضعت هاتفي في جيبي، وقمت من مقعدي، وصعدت إلى الأعلى في نفس العربة، وجلست في مقعد موليا وجهي في نفس المنحى الذي يسير فيه القطار، حتى لا أصاب بالدوخة..

أحيانا، نشكو للناس أن الناس لا يريدون بنا خيرا، بينما في الأصل نحن الذين لا نريد بأنفسنا خيرا.. وعوض أن نصلح أحوالنا، نظل نتباكى من الشر الذي يتعامل معنا به الآخرون.  الله يصلح الأحوال.. وهذا ما كان.

*كاتب وناقد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *