بقلم: يونس التايب

ونحن نخلد اليوم العالمي للمرأة، لا بد أن نستحضر ما عرفته المرحلة التي مرت منذ تخليد نفس اليوم قبل سنة، من أخبار و حوادث تنكيل و تعنيف واعتداء مجاني استهدف بعض النساء، كان أبشعها ما حدث بحي الفرح بالدار البيضاء، و في مدينة سلا، و قبل أشهر بمدينة الرباط…  إلخ. حالات تكررت بشكل يطرح أكثر من سؤال حول أسباب تنامي العنف بصفة عامة، و ضد النساء بصفة خاصة، ويحتم على السلطات العمومية المعنية و على منتخبي الأمة، إيلاء الموضوع ما يستحقه من عناية، و فتح نقاش مسؤول، و محاولة تشخيص الظاهرة في الحدود الممكنة، ثم اتخاذ ترتيبات معينة وإجراءات قانونية زجرية لحماية المرأة المغربية

و لعل أول ما تستدعيه الوضعية هو العودة لتنظيم حملات تواصلية توعوية مؤثرة تستهدف “العقلية الذكورية”، لتذكر أصحابها بمقتضيات القانون، و تحيي الضمائر حتى يعود وعي كامل بحقيقة أن المرأة إنسان كامل غير قاصر، لها حقوق يكفلها القانون، و عليها واجبات كما للرجل، لا أقل و لا أكثر. وأول حقوقها هو أن تعيش بطمأنينة و أمن، و أن لا ينكل بها أو يستغل ضعفها المفترض وهشاشة وضعيتها الاجتماعية بأي شكل من الأشكال

في رأيي، أن مسألة وضعية النساء في مجتمعنا تحتاج إلى مصارحة للذات، نطرح من خلالها أسئلة عن حقيقة أسباب ما نلاحظه في واقع المرأة من معاناة مادية و نفسية، لأننا نكاد لا نمتلك معطيات دقيقة، موضوعية و بعيدة عن ترسبات التمثلات التي في أذهاننا. كما أننا مجتمعنا اعتاد أن يتجنب، بل يهرب من طرح القضايا المجتمعية الكبرى للنقاش في جو هادئ لتتحاور بشأنها جميع المكونات والحساسيات الفكرية والثقافية والسياسية في المجتمع، بدون إقصاء و لا تهميش لأي رأي مهما اختلفنا مع أصحابه. و تاريخ العشرين سنة الماضية يشهد أنه باستثناء ما بذل من جهد برعاية ملكية سامية، في بداية القرن الحالي، إبان النقاش المجتمعي حول تعديل مدونة الأسرة، لا أذكر أننا فتحنا نقاشات وطنية موسعة، تتسم بالرصانة و بمقاربة تشاركية، و بحضور عملي فاعل للعلماء و الخبراء من كل التخصصات،  لنستمع للمرأة وهي تحكي عن همومها، دون أن نقمع حريتها في التعبير، و”بلا ما نفهمو عليها” أو “نهضرو حنا في محلها“. 

وإذا كنا متفقين على أن أعلى سلطة في البلاد تدافع عن حقوق المرأة المغربية بيقين وقناعة كبيرة، و أن عددا من الفاعلين الحقوقيين لم يتوقفوا عن الترافع من أجل القضايا المشروعة للنساء، إلا أن علينا أن ننتبه إلى أن التحولات المجتمعية، و ضغط مشاكل التهميش الاقتصادي والبطالة، وتراجع أثر منظومة القيم، أثرت بشكل سلبي في وضعية النساء و في تمثل البعض لهن، خصوصا في المجالات الجغرافية الفقيرة، بالحواضر و القرى. ولكي نغير هذا المسار، بداية الطريق هي أن نستمع للمرأة وهي تبسط لنا تشخيصها لوضعيتها، في إطار نقاش عمومي، لأن المرأة هي من يعاني وهي التي عليها أن تحدد الإضافات التي ترغب في أن يحملها لها واقعها اليومي حفظا لكرامتها. بعد ذلك يصبح مشروعا السير معا لتنزيل الممكن من الطموحات، بعد أن نتأكد من أننا فهمنا الوضعية كما هي لا كما نتمثلها. وبالتالي نتحرك و نحن واعون بالتزاماتنا الإنسانية و القانونية تجاه نساء وطننا

و أول الأسئلة العميقة، و أشدها حساسية ربما، هي كيف يمكن أن يتحول المواطن الرجل و المواطنة المرأة، إلى شركاء حقيقيين في هذا الوطن، يتقاسمون فيه نفس الفرص، ويعيشون في ظل قيم إنسانية صادقة بعيدا عن لؤم الاستغلال و التوظيف في كل أبعاده، و بعيدا عن تبضيع المرأة و عن الشر الذي ينبعث تلقائيا لدى البعض ويدفعهم لتحقير المرأة وتبخيس أدوارها؟

الحقيقة أنه رغم التقدم الذي تحقق، اجتماعيا و حقوقيا، إلا أن واقع المرأة المغربية ليس لوحة بيضاء مشرقة. ومن يعتقد ذلك، أو يروج له، يوهم نفسه بأشياء غير دقيقة. نعم… المرأة المغربية فرد بصيغة الجمع و التنوع، ثقافيا و سوسيو مهنيا ومجاليا وفكريا، و في مكتسباتها و معاناتها وفرحها وآلامها. نعم …هنالك نقط ضوء كثيرة موجودة، بفضل دفاع المرأة عن نفسها و عن كرامتها و عن حقوقها، و بفضل تدافع مستمر بين قوى الخير و العقل و الكرامة في هذا الوطن، و بين قوى الشر و التحقير و الرداءة. لكن، من الخطأ الاعتقاد أن السعادة والإحساس بالذات هي أحاسيس تتقاسمها النساء المغربيات، أو أنهن يشعرن باحترام حقيقي دائم، و يلمسن توقيرا وحرصا فعليا، في بيتهن، و في الشارع العام، و في مقر عملهن، و في فضاءات التنظيمات المدنية و السياسية و المهنية التي تنشطن فيها. من يقول بذلك، يغالط نفسه و يكذب عليها

رفيقتنا في المواطنة و في الإنسانية، تناضل كل يوم بألف شكل. تناضل و هي تبتسم أحيانا، و تناضل وهي تخفي دمعتها أو تبكي أمام جلاديها. تناضل بالرحيل أحيانا، و تناضل بالبقاء و الصمود أحيانا أخرى. تناضل ضد الخشونة و سوء المعاملة من غريب في الشارع، أو من زوح ظالم مستبد، أو مستهتر غير مسؤول

رفيقتنا في المواطنة تناضل في فضاءات العمل، في القطاع الخاص و العام، ضد “عقلية” زملاء لا يقبلون بأن تتميز المرأة بذكاءها، و لا يقبلون بأنوثتها مصانة محترمة، بل منهم من قد يسعون، إذا أمكنهم ذلك، أن يطلعوا على تفاصيلها، كأي شيء قابل للاستهلاك. و المصيبة هي أن المرأة تجد نفسها مضطرة لتناضل، أيضا، ضد “عقلية” رفاقها و إخوانها في التنظيمات والهيئات، حين لا يقبلون أن تتفوق اجتهاداتها على اجتهاداتهم، و لا يقبلون أن تحتل مكانة قيادية على حساب “رجولتهم”. كما تناضل برفض أن يكون حضورها فقط لتزيين منصة الخطابة، أو لأخذ صورة جماعية تنشرها وسائل الإعلام، عربونا على حداثة مفترى عليها، أو دليلا على مساواة توجد في خطابات فاعلين سياسيين و مدنيين أكثر من تواجدها في الواقع.

هذا الواقع المؤسف حقيقة “ثقافية مجتمعية” تتمدد وتخترق كل المنظومات الفكرية و الثقافية، و لا يختلف فيها أصحاب “اليمين” عن أصحاب “اليسار”، و لا الفقراء عن الأغنياء، ولا سكان الحواضر عن سكان البوادي، و لا المثقفون عن عوام الناس، إلا من رحم ربك رحمة واسعة.

و يبقى الأمل هو تكثيف السلطات العمومية لمجهوداتها التأطيرية و القانونية و التواصلية، حتى يستوعب من يجب أن يستوعب ذلك، أن المرأة المغربية هي الأم، و الزوجة، والبنت، والأخت، والزميلة والرفيقة، والمفكرة المثقفة، والمبدعة الفنانة، والمستثمرة والأستاذة والمعلمة، والإعلامية والصحافية، والطبيبة والممرضة، والقاضية والمحامية والعدل، والمحدثة والمقرأة، والرياضية والشرطية والجندية، والوالية والعاملة، والمنتخبة والرئيسة والنائبة، والفلاحة والمستخدمة والوزيرة. ربما بتجديد الوعي بهذه الحقيقة سيكف البعض عن نشر ثقافة ازدراء المرأة و التضييق عليها وتعنيفها. وسنرتقي إلى التعاطي مع نساء هذا الوطن على أساس أنهن مواطنات، و أن لا شيء يقلل من إنسانيتهن، وأن لهن الحق في الاحترام الكامل، لا يهينهن إلا لئيم و لا يظلمهن إلا ضعيف، و لا يبخس حقوقهن إلا متسلط أشر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *