محتات الرقاص

خلف رحيل الصحفي محمد نجيب حجام، ناشر”ملفات تادلة” أسى عميقا ليس داخل جهة بني ملال خنيفرة فقط، ولكن وسط الصحفيين والحقوقيين على الصعيد الوطني، ولقد انتقل العشرات منهم من مدن مختلفة لتشييعه في بني ملال ومواساة أسرته.

الزميل حجام داهمه الموت بشكل مرعب بالمحطة الطرقية ببني ملال وهو يتأهب لركوب الحافلة التي ستقله إلى الرباط لحضور الجمعية العمومية للمجلس الوطني للصحافة…

الفاجعة لم تترك مجالًا للكلام، ساد السكوت في المدينة، أخرس الموت الهواتف وبقيت وحدها حشرجات الحلق لما عجزت التعاليق والجمل عن الخروج من الشفاه.

محمد حجام الحاضر باستمرار في كل المحطات بمختلف المدن، وفي كل التظاهرات والمحافل ذات العلاقة بالصحافة والصحفيين، وبالنضال الحقوقي والديموقراطي، يرحل عنا اليوم ويترك زوجة مكلومة بلا معيل، وتبقى إبنته سارة توزع البراءة في المحيط وتخرج الدموع من مقل كل المعزين، ويرخي اليتم بثقله على الأسرة والجريدة، وعلى كل الأمكنة الأليفة لدى الفقيد.

الكتابة أحيانًا في مثل هذه المناسبات الموجعة تكاد تكون صراخا وانتفاضة واحتجاجًا وضربًا فوق طاولات الرتابة والتنكر والجحود.

سي محمد حجام، لم أعرف أحدًا صرخ أكثر منه في كل الاتجاهات منذ سنوات من أجل صحافة جهوية حقيقية ومهنية وجادة.

سي محمد حجام حمل قناعته بين يديه وفي قلبه وأسس فعليًا للمغامرة وسار في طريقها صامدا ومقاتلا إلى أن عانق الموت.

سي محمد حجام لم يخلف لأرملته و يتيمته الصغيرة بعد كل هذا الحضور لا دخلا قارا ولا منزلًا لائقًا ولا رصيدا بنكيا ولا ما يسد الرمق.

كل ما كان يدخره ينفقه على جريدته وعلى المتطلبات اليومية لأسرته وعائلته، ولم يبخل سوى على نفسه.

سي محمد حجام لم يسبق لأحد أن سمعه يشتكي أو يطلب حاجة نفعية لنفسه، أو يقبل المساومة والابتزاز.

اليوم بعد أن تفرق المعزون، وعانقت الزوجة المصدومة صغيرتها تحت السقف البارد، يجدر أن تطرح الأسئلة ويقال ما يجب أن يقال.

مسؤولو بني ملال وتادلة والمنطقة يجب أن يفكروا في احتضان التجربة المهنية التي خلفها الراحل، وأن يتعبأ فاعلو المنطقة لإعتبارها صحيفة الجهة، وأن يتولوها بالرعاية والتطوير، مع الاحتفاظ بطاقمها ، وخصوصا بمصداقيتها واستقلاليتها.

سلطات بني ملال ومنتخبوها وفاعلوها الاقتصاديون يجب أن يقدموا على مبادرة إنسانية واجتماعية تجاه أسرة الفقيد وزوجته وإبنته التي لا زالت في سنواتها الأولى، ومن حقها أن تكمل دراستها وأن تعيش في ظروف كريمة.

سي محمد حجام كان قياديا في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ثم شغل عضوية المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف لولايتين وبقي دائما قياديا وصوتًا حكيمًا داخل منظمة أرباب الصحف، وصوت عليه زملاؤه لعضوية أول مجلس وطني للصحافة في تاريخ المغرب، ومات وهو يستعد لحضور جمعيته العمومية، ولهذا هو كفاءة وطنية في جسمنا المهني، ومن حكماء القطاع ومناضليه، ومن ثم يستحق التكريم والاحتفاء، وأيضا العناية بأسرته، وبالمؤسسة الإعلامية التي كان يشد عليها بين ضلوعه.

في المواقف والقناعات عاش سي محمد حجام قويا وشريفا وصادقا ويدافع عن أفكاره بشراسة في كل المنتديات.

في السلوك الشخصي، وفي العلاقات الإنسانية والحياة اليومية كان دائما متواضعا وبشوشا وأليف المعشر ونبيل الأخلاق.

تجربة سي محمد حجام ومساره النضالي والمهني يقدمان درسًا بليغًا لأجيال اليوم من الصحفيين وغيرهم، وهو الانتصار للمصداقية وعزة النفس.

وبتكريم سي محمد حجام اليوم ، سنكرم بالضبط هذه القيم، وسنعطي للنزهاء أملا في بلادهم وفي المستقبل.

هذه البلاد ليست جاحدة في حق أبنائها الصادقين، ولا تتنكر لهم.

سي محمد حجام حي اليوم من خلال إبنته وزوجته وأسرته، ومن خلال:”ملفات تادلة”، فليتعبأ إذن الجميع، في جهة بني ملال وخارجها، لتكريمه من خلال العناية بهم.

لك السلام صديقنا وعزيزنا ورفيقنا سي محمد

لأرملتك وصغيرتك خالص العزاء.

#مدير النشر بجريدة بيان اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *