عبد الرزاق بوتمزار

 

ح. 65

الموال السّوري والميزانْ المْغربي

رغم أنّ محمدا، الطالب الليبيّ، أعطاني عرضاً مُفصَّلا عن اللجن -بين ثورية وشعبية- وشرَح لي كيفية اشتغال أجهزتها ودواليبها، فإنه لم يأخذ مني، في نهاية حديثنا، لا حْقّ لا باطلْ. إذا كنتُ قد رفضتُ، دوماً، دخولَ غمار السّياسة في بلدي، حيث الأحزابُ السّياسية مثل البطاطس، وحيث يمكن المرءَ أنْ يْعزْل ويْتخيّرْ، حسب هواه وما تشتهي نفسُه، من يمينٍ ويسار وما تشابَه بينهما وما تَناسَل؛ فكيف له أن يُقنعني بدخول غمار اللعبة هنا، فوق هذه الأرض، التي لا يبغي فيها العقيدُ لأفكاره بديلاً ولا لفلسفته مرجعاً غير الكتاب الأخضر!؟

بعدما لمس أنّ تبرّمي من مجرى حديثنا قد بلغ درجةً قد تعصف بكل ما مهّد له، طلب مني أن “أفكر في الموضوع”، طالما كان يعرف أنّ “المسابَقة” في بداياتها وأنّ أمامنا أياما أخرى قد يلين فيها موقفي أكثر. صعدنا الحافلة، فانطلقت تطوي بنا المسافات في اتّجاه مدينة لبدة (لِبْتيسْ) الرّومانية القديمة.

داخل الناقلة -الخضراء بدورها- سرعان ما انخرط أفراد كلّ مجموعة في ترديد أغان ومواويل شعبية يشغلون بها أنفسهم عن طول المسافة وحرارةِ الجو. بدأت الأجواء الاحتفالية بترديد لازمة “زيدْ زيدْ يا شيفورْ.. زيدْ شويّة فلموتورْ”، التي بدأ ترديدَها الإخوة الليبيون، قبل أن تتوحّدَ حول المَطلبِ أصواتُ بقية أفراد الوفود. على الأقلّ، هناك ما يستطيع “العرب”، باختلاف انتماءاتهم، الاتفاق حوله: المزيد من السّرعة، ولو كانت هناك احتمالات قوية لأنْ تؤدي إلى ما قد لا تُحمَد عقباه!

لم أكن، يوماً، ولا كنتُ ساعتَذاك، مُتحمّساً لمسألة مطالبة السّائق بالزّيادة في السّرعة. بإطلالة مني، بين الفينة والأخرى، نحو الإسفلتِ، أسفلَ عجلات الحافة، عاينتُ أنّ السّائق كان يسير، ربّما، أسرعَ من السّرعة نفسِها. فكيف يطالبونه بالزيادة؟! في لحظة، تساءلت: لماذا لا يقع إجماعُنا إلا على الأمور غيرِ مأمونة العواقب؟!

ورغم ذلك، وجدتُ نفسي، في الأخير، أنساق وراء المجموعة، مُردّدا معهم تلك اللازمة العجيبة المُوجَّهة للسائق، الذي يبدو أنّ تلك النغمة المكرورة على أنغام إيقاعاتنا الموسيقية المُرتجَلة قد أعجبته، فما لبث يضغط ويزيد على دوّاسة ناقلته. وراحت حافلته المجنونة تطوي بنا المسافات بسرعة قياسية. وما يضيره، قلتُ لنفسي، لو أرسل الجميعَ إلى الجحيم، ما دام هؤلاء من يحثونه على التعجيل ببلوغ النهاية؟!

عندما اطمأنّ الجميع إلى أنّ الحافلة تسير، وفق ما طلبوا، بسرعة جُنونية، تراجعتْ مطالباتهم السّائقَ بزيادة السّرعة. حاصرَني رشيد ومحمد وطالبَاني، بإلحاح، بأنْ “أكرف” معهما ميزاناً مُرّاكشيا. لم أكنْ أنتظر إلا طلبهما ذاك كي أخرُج عن وَقار ورزانة المتأدّب، اللذين حتّمتهما، علي وعلى معظم هؤلاء، بروتوكولات المسابَقة الطلابية.

وإنْ هي إلا لحظاتٌ علّمتُ فيها رفيقَي كيف يضبطان معي إيقاعَ الميزان المراكشي العتيد حتى تراجعتْ إيقاعاتٌ ومواويلُ كان أفراد بقية البعثات، والسّوريون على الخصوص، يُردّدونها، رغم أنهم ظلوا يحاولون التشويش على إيقاعاتنا المغربية، التي لا يُعلى عليها بين نظيراتها “العربية”.

وإن هي إلا لحظات حتى ما تَحلّقَ حولنا الجميع، وآخرُهم السّوريّون، بعدما اقتنعوا بأنْ لا ميزانَ يعلو على “موازين” المغرب، خُصوصا وقائدُ الجوق يتحدّر من بلاد حميد الزّاهر، من بلاد البهجة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *