عاد الجدل المرتبط بالحريات الفردية إلى دائرة النقاش في المغرب، خلال الفترة الأخيرة مع إعلان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، اعتزام وزارته تغيير عدد من القوانين في سياق إصلاح مرتقب لمنظومة القانون الجنائي.

الرباط-le12

أطلق منتدى الحداثة والديمقراطية (مستقل) برنامجا يهدف إلى مساعدة المتضررين من مختلف أشكال التضييق، وذلك من خلال آلية خاصة للمساعدة القانونية ومنصة رقمية مخصصة للتبليغ، وتلقي الدعم النفسي. 

ويأتي المشروع الذي أعلن عنه المنتدى الشبابي، نهاية الأسبوع الماضي، بأهداف حفظ حقوق ضحايا التجاوزات التي تمس الحريات الفردية، وذلك من خلال تكوين وتأطير محامين ونقابيين ونشطاء بشأن كيفية التعامل مع هذه “القضايا الحساسة”، إضافة إلى إطلاق بوابة رقمية تتيح للضحايا التبليغ والحصول الدعم النفسي من طرف أخصائيين.

وأوضح المنتدى أن المبادرة الجديدة التي يطلقها بشراكة مع “المؤسسة الأوروبية من أجل الديمقراطية”، تسعى من جهة إلى تشجيع الضحايا على البحث عن الدعم والحماية وضمان استمرار الترافع عن قضاياهم، ومن جهة ثانية إلى تغيير التعاطي السلبي لجزء مهم من المجتمع وصناع القرار مع موضوع ونقاش الحريات الفردية والتركيز على إيجاد حلول للإشكاليات التي تواجه المتضررين.

“حماية من القوانين”

المشرف على مبادرة “حورس” لحماية ضحايا انتهاكات الحريات الفردية، أنس ادوييب، يقول إن إطلاق المشروع يأتي “بأهدف توفير الحماية القانونية والدعم النفسي للضحايا الذين تنتهك حرياتهم الفردية سواء، كان مصدرها القانون الجنائي المعتمد بالمغرب أو المضايقات الممارسة عليهم في الشارع العام أو داخل فضاءات العمل”.

ويبرز ادوييب في تصريح لموقع “الحرة”، أن منتدى الحداثة والديمقراطية، يطالب منذ تأسيسه بتكريس الحريات الفردية قانونيا واجتماعيا، وبدأ بالتفكير جديا في إنجاز مشروع يقدم قيمة مضافة لواقع الحريات الفردية في المغرب، بعد حادثة اعتقال عشرات الشباب داخل مقهى في مدينة الدار البيضاء بتهمة “الإفطار علنا في نهار رمضان”، الذين تبنت المنظمة ملفهم حتى إطلاق سراحهن.

وعلى الرغم من تأكيد الدستور المغربي على أولوية المواثيق الدولية على القوانين المحلية، إلا أن التشريعات المقيدة للحريات الفردية لا تزال سارية المفعول، بما فيها تجريم ممارسة الجنس بالتراضي بين البالغين غير المتزوجين، وتجريم الإجهاض، والمثلية الجنسية، والإفطار العلني خلال شهر رمضان.. 

وينصّ الفصل 490 من القانون الجنائي على أن “كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة”، وتعاقب فصول أخرى الإجهاض غير القانوني بالسجن بين عام وعامين، والمثلية الجنسية بالسجن بين ستة أشهر وثلاثة أعوام.

ورغم أن هذه القوانين لا تطبق دائما بحذافيرها في كثير من الحالات، إلا أنها كثيرا ما تثير جدلا عاما في الأوساط الحقوقية والسياسية المحلية؛ بين التيار المحافظ الذي يطالب بالتمسك بهذه القوانين التي تدخل تحت مسوغات “حفظ العقيدة وحماية المشاعر الدينية للمغاربة”، وبين الداعين إلى مواكبة تطور المجتمع وعدم التضييق على الاختيارات الشخصية للأفراد.

في هذا الجانب، يوضح مدير مشروع  “حورس” أن من شأن المبادرة الجديدة أن تكون “مدخلا واقعيا وفعالا من أجل دعم ومساندة ضحايا الانتهاكات الحقوقية الذين يعيشون مرارة ما يمارس عليهم، في ظل استمرار هذه القوانين المجحفة”.

ويورد المتحدث ذاته أن منتدى الحداثة والديمقراطية، اختار إشراك مختلف الأطراف القادرة على توفير الحماية والدعم للضحايا، وفي مقدمتهم المحامون والنقابيون والفاعلون المدنيون الذين تتقاطع اهتماماتهم مع المبادرة، وذلك من خلال تنظيم تكوينات خاصة تساعد المستفيدين من الأطراف الشريكة على التعامل مع شكايات الضحايا بشكل أفضل.

“معاداة الحرية”

وعاد الجدل المرتبط بالحريات الفردية إلى دائرة النقاش خلال الفترة الأخيرة مع إعلان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، اعتزام وزارته تغيير عدد من القوانين في سياق إصلاح مرتقب لمنظومة القانون الجنائي.

وحتى قبل الإعلان عن تفاصيل التعديلات الجديدة، هاجم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران وهبي، متهما إياه الاثنين بالسعي “إلى تغيير القرآن” و”شرعنة الزنا”.

حسن بومهدي المنسق الوطني لمنتدى الحداثة والديمقراطية، يرى أن الحريات الفردية ما زالت “غير مكفولة قانونيا بالمغرب”، مشيرا إلى أن الفصول التي تجرم عدد من الحريات الأساسية “تشكل تهديدا على ممارسيها رغم عدم تنافي هذه الحريات مع روح ومبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا والمصادق عليها من طرف الدولة المغربية”.

ويلفت المتحدث ذاته إلى أن مشكلة ممارسة الحريات الفردية تبقى في جانب منها “طبقية”، لافتا إلى تفاوتات في ممارستها مثلت بين بعض المدن الكبرى وباقي المناطق وبين المناطق السكنية الراقية ونظيرتها الشعبية، بحيث تطبق تلك القوانين غالبا في مدن ومناطق عكس أخرى.

بالإضافة إلى هذا التباين في تطبيق القانون، يشير المتحدث ذاته إلى أن الرأي الغالب في المجتمع “يعادي الحريات الفردية”، ما من شأنه أن “يشكل تهديدا جسديا ونفسيا على عدد من الأشخاص”، موضحا أن “أهمية المشروع الجديد يكمن في حماية ضحايا ممارسة الحريات الفردية، وفي نفس السياق، العمل على تعزيزها.

أحدث الأرقام الرسمية

ووفق أحدث الأرقام الرسمية، قام القضاء المغربي، في عام 2019، بملاحقة 15192 شخصا بتهمة الدعارة و3270 بتهمة الخيانة الزوجية و283 بتهمة المثلية الجنسية و107 بتهمة الإجهاض غير القانوني. 

في سياق متصل، أبرزت دراسة حديثة، أنه رغم استمرار “الحضور المكثف” للمرجعية الدينية في ممارسات عدد من المغاربة، تستمر المطالب الداعية إلى احترام الحريات الفردية، وتتسع المسافة التي تربط الأفراد بالمرجعيات التقليدية متمثلة في الدين والعائلة والعادات والتقاليد.

ومن جهة أخرى، عبّر المستجوبون في هذه الدراسة أيضا عن نوع من التذمر من “انتقائية تطبيق القانون”، إذ ربطوا ممارسة الحرية الفردية بالموقع الطبقي، من خلال إثارة نماذج على ممارسات مثل الإجهاض والعلاقات الرضائية وحتى الإفطار العلني في رمضان، التي يطرحها العديد من أفراد عينة البحث كـ “حريات طبقية”، يمارسها البعض دون الآخر.

وفي مقابل رفض ممارسة بعض الحريات بشكل علني في الفضاءات العامة، وجدت الدراسة، التي شارك فيها 1311 مستجوبا من خلفيات اجتماعية وثقافية متنوعة، أن لدى غالبية عينة البحث “مستوى مرتفعا من التسامح مع ممارسة الحريات الفردية في أشكالها غير المهيكلة والمتخفية، وفي الفضاءات الخاصة”.

* الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *