الحديث المُثار، منذ أيام، بوتيرة مكثفة ومتسارعة، حول استعمال الانجليزية كلغة تدريس في المؤسسات التعليمية المغربية، لم يأت في الواقع من فراغ ولم يكن بدون خلفية.

 حتى لو جاء في سياق طبيعي، سياق شروع المغرب في اعتماد الانجليزية في التدريس، إلا أنه، في العمق، لا يمكن فصله عن الأزمة المتواصلة بين المغرب وفرنسا.

 اللغة الفرنسية، توجد في قلب الصراع المغربي الفرنسي.

إنه السلاح الذي استعملته وما تزال تستعمله فرنسا لفرض وضمان واستدامة هيمنتها اللغوية والثقافية والسياسية والاقتصادية في المنطقة المغاربية وفي كل المناطق التي كانت تستعمرها في السابق.

 الملاحظ أنه مع التحولات المتسارعة التي تعرفها القارة الافريقية، خاصة في النطاق الجغرافي الخاضع للنفوذ الفرنسي ، بدأ التأثير الفرنسي ينحسر ويتآكل  في عدة مواقع في مالي ومنطقة الساحل ككل وقبلها في أماكن أخرى، مثل رواندا.

لقد استعملت رواندا في سياق خاص، سلاح الفرنسية للتخلص من الهيمنة الثقافية واللغوية والسياسية الفرنسية، لتبدأ صفحة جديدة في تاريخها من خلال تعويض الفرنسية بالإنجليزية.

والمثير أن هذا المتغير فتح المجال واسعا أمام رواندا التي عاشت صدمة الاقتتال الداخلي الدموي، للانعتاق والخروج من دائرة التخلف المدقع والتأخر الاقتصادي لتعانق الانفتاح وآفاق التطور والنمو.

وأضحى البلد يُسجل، في الوقت الحالي، أعلى مستويا ت النمو في القارة الافريقية.

حتى الغابون ، ذات التاريخ الفرنكوفوني، قررت التخلص من الهيمنة الفرنسية لتتحول إلى الانجليزية، وانضمت إلى دول الكومنولث.

إن تعويض الفرنسية بالإنجليزية في المغرب قد يشكل بداية طي صفحة الهيمنة اللغوية والثقافية الفرنسية بالمغرب لصالح الانفتاح على اللغة الانجليزية التي تعتبر لغة كونية ولغة المعرفة والعلم والتكنولوجيا.

و الأهم من ذلك، قد يكون مُنطلقا للنهوض بالتعليم وبمجالات البحث العلمي والتكنولوجي بالمغرب، بعد انحسار مكانة الفرنسية في هذا المجال.

لقد كانت البداية مُحتشمة من خلال الحديث عن تدريس الانجليزية  ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي.

 ثم بدأ الحديث عن تعميمها في الابتدائي، ثم في الاعدادي، ثم تم إقرار تدريس بعض التخصصات( الطب) باللغة الانجليزية

ثمة مؤشرات على أن المغرب انتقل إلى السرعة القصوى و يخطو خطوات متسارعة  نحو تعويض الفرنسية بالإنجليزية.

الأمر قد يتعلق بسياق طبيعي، لكن مما لا شك فيه، أن الأزمة المتواصلة بين المغرب وفرنسا منذ أزيد من سنة ونصف،  قد تكون وراء تغذية المبادرة المغربية وشحتها بدينامية جديدة.

وهو ما يُفسر تسريع وتيرة أجرأة هذا التدبير المتعلق باعتماد الإنجليزية لغة للتدريس.

من المؤكد  أن هذه السياسة الجديدة المتبعة من طرف المغرب في مجال التدريس باللغة الانجليزية، لن تُقابل بالرضى والارتياح من طرف فرنسا، خاصة أن الأمر لا يتعلق بمسألة جزئية أو بعملية تجريب.

ولا يبدو أنها مسألة ظرفية و يقتصر على بعض التخصصات، بل إن الأمر يسير نحو التعميم.. تعميم الانجليزية

وهذا ما سيغيض الطرف الفرنسي، الذي بدأ يعاين تهاوي صرح الفرنسية في العديد من المناطق..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *