استشعرت فرنسا منذ أعلن وزير الداخلية عن اتجاه المغرب لتأسيس شركات جهوية مكلفة بتدبير قطاعي الماء والكهرباء بأن زمن كبرى شركاتها بالمغرب، نقصد شركة لديك تحديدا، شارف على الانتهاء. 

مما دفع مدراء هذه الشركة التي تدبر جهة الدار البيضاء الكبرى للانسحاب من البورصة استعدادا لجمع أغراضها ومغادرة المغرب. الشيء نفسه استشعرته شركة ريضال بجهة الرباط، وشركة جيفري دانون التي تستحوذ على 99 بالمائة من شركة سنترال دانون والتي سبق لها أن أعلنت عن بداية انسحابها من المغرب.  

الشيء نفسه بالنسبة لمصرف المغرب التابع لمجموعة القرض الفلاحي الفرنسية الذي توصل إلى اتفاق مع مجموعة هولماركوم المملوكة لعائلة بنصالح لاقتناء حصص من فرع المجموعة البنكية الفرنسية بالمغرب، استعدادا للمغادرة بعد سنوات طويلة من مراكمة الأرباح السهلة.  

كل هذه الشركات الفرنسية ظلت تستفيد من غياب المنافسة ومن الريع الاقتصادي والتسامح المالي عند تحويل أرباحها لشركاتها الأم بفرنسا كما هو الحال مع شركة لديك بالخصوص، التي تم استقدامها أيام إدريس البصري في إطار صفقة مغربية فرنسية. 

خلال السنوات الأخيرة بدأ المغرب ينفتح على شركاء جدد أهمهم أمريكا إسرائيل بريطانيا وألمانيا واليابان وإسبانيا التي فهمت أن مصلحتها مع المغرب وليس ضده أو مع خصومه.  

والحقيقة أن الوجود الاقتصادي الفرنسي بالمغرب تم تضخيمه بغرض دعائي محض، فهناك مستثمرون أجانب يضخون أموالا مهمة في النسيج الاقتصادي المغربي دون ضجيج أو هرج أو منة، وأبرز هؤلاءدولة اليابان التي عرفنا بسبب مشكل تيكاد في تونس أنها أول مشغل أجنبي بالمغرب حيث تخلق شركاتها في بلدنا 50.000 منصب شغل بينها 30.000 في مجال الخيوط الكابل وحدها.  

المغرب هو ثاني وجهة للشركات اليابانية في أفريقيا، أين فرنسا من هذا ؟ 

الاتفاق حول الصيد البحري مع اليابان، بلد السوشي، ساري المفعول منذ 1985. اليابان تستورد من المغرب حوالي 20 بالمائة من حاجياتها الداخلية، والمساعدات اليبانية المقدمة للمغرب ارتفعت بالضعف حيث مرت من 34 إلى 61 مليون دولار، دون أن تقوم بشأنه اليابان أية ضجة إعلامية. 

أما الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فقد شرعت في تنزيل برنامج استثماري متخذة من المغرب محورا إقليميًا لبرنامج التجارة والاستثمار على مستوى القارة. فقد تم تخصيص ثلاثة مليار دولار أمريكي لدعم مبادلات تجارية ومشاريع استثمارية بين المغرب وأمريكا على مدى الأربع سنوات المقبلة. 

شركة Hexcel الأمريكية لصناعة معدات الطيران المتطورة وضعت حجر الأساس لتوسيع مصنعها في المنطقة الحرة بالدار البيضاء، بينما اقتنت مجموعة غلوبيس الأمريكية مجموع رأسمال شركة فور أفريك. 

وقبل أشهر أرسلت وزارة التجارة الأمريكية شركات IPP global المتخصصة في الطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي وشركة MLtwist و Palila software المتخصصتين في تحليل البيانات وأمن المعلومات للبحث عن فرص استثمار بالمغرب.  

“الغزو” الأمريكي لقطاع الاستثمار بالمغرب لم يقتصر على هذا الحد، بل إن شركة مارون إنيرجي استحوذت على ثلاثين بالمائة من أسهم شركة غايا إنيرجي المغربية بحوالي 1,2 مليار دولار ستستثمرها الشركة المغربية في مجال الطاقات المتجددة. 

واقتنت مجموعة Globis Acquisition Corp الخاضعة للقانون الأمريكي، مجموع أسهم رأسمال Forafric Agro Holdings Limited الخاضعة للقانون المغربي. وتشتهر “فور افريك”، بعلامتي “ميمونة” و”تريا”.

وشركة Corp Acquisition Globis، شركة خاضعة لقانون ولاية ديلاوير بالولايات المتحدة الأمريكية، مدرجة في بورصة نيويورك دون أي نشاط تجاري، ويتم إصدار أوراقها المالية في سوق الرساميل بهدف الاستحواذ أو الاندماج في المستقبل.

وتنشط المجموعة الأفريقية في خمسة قطاعات رئيسية وهي المطاحن الصناعية التي تعمل أساسا على تحويل ومعالجة الحبوب، خصوصا تصنيع وتوزيع الدقيق ومشتقاته، ثم تخزين وتسويق القمح الصلب والطري، ثم تصنيع وتوزيع المعكرونة والكسكس، وتصنيع وتوزيع الأعلاف الحيوانية.

كما أصبحت الشركة الأمريكية كوش تستحوذ على خمسين بالمائة من أسهم شركة جرف فيلتيليزر كومباني التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط 

الشركة الأمريكية المتخصصة في الصناعات الكيماوية، خصوصا الأزوت والأمونياك، ستعوض حاجيات المكتب الشريف للفوسفاط من هذه المواد التي كان يشتريها من السوق الروسية والتي عرف توريدها مشاكل بسبب الحرب في أوكرانيا كاد يوقف سلاسل الإنتاج.  

وهكذا ففي الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالحرب بين موسكو والغرب في أوكرانيا تبحث أمريكا عن أسواق جديدة وتشتري أراضي فلاحية خصبة في أوكرانيا مستفيدة من قانون زيلينسكي حول فتح الاستثمار الفلاحي وتملك الأجانب للأراضي الأوكرانية.   

هناك إذن تنافس شرس بين دول كبرى للحصول على استثمارات بالمغرب، تحت أنف فرنسا المتعفر، ولذلك فالبساط يتم سحبه من تحت أقدام الشركات الفرنسية التي اعتادت اللعب وحدها في الساحة مستفيدة من عدة تسهيلات انتهت صلاحيتها. وهذا ما يفسر “الجعرة” التي أصيب بها الإعلام الفرنسي بكل أطيافه ضد المغرب، وعلينا أن نتوقع المزيد لأنه ليست مهمة سهلة انتزاع الثدي من فم ألف الرضاعة رغم أنه تجاوز سن الفطام. 

رشيد نيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *