رشيد نيني

 

بعدما اعتقدنا أن سنتين من إغلاق الملاعب قد تكون نجحت في القطع مع المشاهد الهمجية في الملاعب ومحيطها ها نحن نرى كيف تحول مركب الأمير مولاي عبد الله بالعاصمة في رمشة عين إلى ساحة حرب. 

علينا أن نقتنع بأن الملاعب لم تعد سوى مكان لاجتماع آلاف الشباب والمراهقين الذين يتخذون من مرافقتهم لفرقهم المحلية ذريعة لاحتلال الملاعب وتفريغ احتياطي العنف والغضب والعقد التي يعانون منها بسبب الفقر والجهل والإدمان. 

هناك، إذن، ظاهرة جديدة وعنيفة تجتاح الفضاءات العامة بالمغرب تحتاج إلى وقفة لتحليل أسبابها. فليست هناك دولة في العالم تضع قبل كل مباراة في كرة القدم مئات حراس الأمن أمام المحلات التجارية تحسبا لخروج الجمهور مثل ثور هائج وتدميره لكل شيء في طريقه. ليس هناك جمهور كرة في العالم يدمن تحطيم حافلات النقل العمومي بعد كل مباراة سواء ربح فريقه أو خسر المباراة. هذا العنف والهمجية المجانية تحتاج إلى علاج مستعجل وفعال، حتى لا تتحول من عنف مناسباتي إلى عنف بنيوي قائم ومتأصل. 

أعتقد أن السلوك العدواني الذي تكشف عنه هذه الطبقة من الجمهور، ليس سوى تعبير عن الانتقام والكراهية والحقد تجاه الطبقات الاجتماعية الأخرى التي تعيش، بدرجة أقل، ضغط الأزمة الاقتصادية التي تمسك بخناق ثلاثة أرباع الشعب المغربي. فهؤلاء الصاعدون من الأحياء العشوائية التي هندسها سماسرة الانتخابات، وهؤلاء الزاحفون مشيا على الأقدام من مداشر وقرى المدن، يأتون إلى وسط المدينة للتعبير عن وجودهم، عن غضبهم الدفين. كأنهم يريدون أن يعلم الجميع بأنهم موجودون أيضا ولديهم صوت يريدون إيصاله. 

ولسوء الحظ، فرسائل هذا الشباب الفاقد لكل بوصلة، والناقم على البلاد بشوارعها ومصابيح نورها وزجاج حافلاتها وقطاراتها وواجهات محلاتها التجارية البراقة المحرومين من ارتيادها، وواجهات بنوكها حيث تودع أموال يسيل لها لعابهم يوميا، تتحول إلى هجوم بدائي على مظاهر هذه الحياة العصرية التي يرون بريقها في إشهارات التلفزيون ويجاورونها في الواقع دون أن يحلموا بامتلاكها ذات يوم. لذلك فالحل، في نظرهم، هو تدميرها انتقاما لطبقتهم المحرومة وانتقاما من الطبقات الأخرى التي تعيش في هذا «النعيم» و«الرخاء» الاجتماعي. 

إن هؤلاء الشباب الذين طوروا نزعة تدميرية تجاه أنفسهم واتجاه ممتلكات الدولة والمواطنين، هم في نهاية المطاف نتاج سياسة إدارة محلية فشلت في ضمان حظوظ متساوية لكل المواطنين لتحقيق ذواتهم. فهناك من جهة المدينة بأحيائها المرتبة والهادئة نسبيا، وهناك الهوامش المظلمة والفقيرة حيث لا لغة تعلو على لغة الخناجر والسيوف والمياه الحارقة. 

وأستطيع أن أقول بأن الأزمة الأخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها كمغاربة اليوم مصدرها النقص الحاد في مادة التربية أكثر من أي شيء آخر.

وتبقى المعطيات التي سبق أن كشف عنها تقرير للمندوبية السامية للتخطيط بخصوص الشباب المغربي والشغل خطيرة للغاية، فأكثر من مليون ونصف مليون شاب تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة بدون تعليم وبدون شغل، أي أنهم عالة على أسرهم وعلى المجتمع، ونظرا لكون هذه الفئة من المواطنين تنتمي في غالبيتها الساحقة للطبقات الهشة، فإن لنا أن نفهم بوضوح، بعيدا عن إنشائيات البرامج الحكومية، مصدر انتشار مظاهر العنف والشغب الجماعي.

نحن أمام شباب غير متعلم لا يملك بين يديه مهنة أو حرفة، وليس له دخل يعيش به، أي شباب بدون أمل، لذلك سيسارع إلى بناء أمل وهمي إما عبر المخدرات أو عبر أفكار التطرف التي توهمه بآمال أخروية تتحقق بقتل الآخرين المختلفين عنه، أي أنه سيصبح لقمة سائغة للانتحار بكل أشكاله.

ولعل الشيء المهم الذي يجب على صانعي السياسات العمومية الانتباه إليه بخصوص الأجيال الصاعدة هو ضعف أو غياب الوازع الديني لديهم. وفي غياب أو ضعف الوازع الديني فإن الوازع الأخلاقي والوازع القانوني الزجري لا يكفيان لتكوين مواطن صالح، فيمكن أن يتجنب المواطن ارتكاب الجرائم والمخالفات أمام الملأ خوفا من العقوبة القانونية أو الوصم الاجتماعي، لكن الوازع الديني يحصنه من ارتكاب الجرائم والمخالفات حتى ولو كان بمفرده، لأنه يستحضر قوة عليا أقوى من القوانين والمواضعات الاجتماعية. 

ولذلك فعندما تزرع الوازع الديني في الطفل منذ حداثة سنه فإنك تزرع “تطبيقا” يشتغل داخله تلقائيا طيلة حياته، أي أنك تمنحه بوصلة يعرف بها الاتجاهات ويميز بين الاختيارات. هذه البوصلة تحديدا هي ما يفتقر إليها هذا الجيل، ولذلك نرى كيف يهيم على وجهه دون هدف. 

رشيد نيني 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *