بشير ناسك 

محمد حسن الجندي، المقاوم الفنان الكاتب المؤلف الممثل المثقف الموسوعي، مغربي وليد حي “القْصور” في مدينة مراكش عام تسعة وثلاثين وتسعمائة وأللف ميلادية، لأبيه الزاهد الورع السي حسن أحجام ومن أمه رقية بنت عبد السلا

نشأ الطفل محمد بن الحسن الحجام (الجندي) على محبة الله ورسوله و إجلال علوم الدين وأصوله فارتاد في سن صغير كُتاب الفقيه محماد المتوكي مع أقرانه. وبعد حفظه ما تيسر من القرآن الكريم نقله والده السي حسن الحجام، الرجل الصوفي المتدين المتشبت بأصول الدين، إلى مدرسة الحسنية الخاصة لتلقين العلوم حديث التحصيل. وهناك بدأت قصة عشق الجندي للتمثيل بعد سماعه لأول مرة عن “أب الفنون” ومشاركته وهو طفل صغير ولو رمزيا (كومبارس) في مسرحية “كسرى ملك الحيرة”.

وقد كان مدير المؤسسة التعليمية الحسنية الأستاذ الغيغاي، المعروف بوطنيته، حريصا على تلقين تلاميذ المؤسسة الوطنية والتشبت بحق الاستقلال عن المستعمر وعدم الانصياع والنضال والكفاح حتى الاستقلال. ومن هنا بُنيت هوية ونقشت حفيظة المقاوم (الجندي) الذي أصبح بعد.ذلك عنصرا نشيطا في خلية الشهيد بالحاج البقال، تم انتقل إلى العمل السياسي كعضو في مكتب الدائرة التامنة لحزب الاستقلال ..

قبل أن يخرج عام ألف وتسعمائة وسبعة وأربعي، اختار الله إلى جواره والده السي الحسن الحجام، ومحمد بعدُ طفل صغير لم يجاوز عقده الأول. وبرحيل الوالد، انتهت حياة وبدأت حياة..

بعد أن ولّى زمن الطفولة قبل الأوان بغياب الوالد والسَنَد، انتقل الجندي للدراسة باللغة الفرنسية بمدرسة “السكويلة” التابعة للمستعمر الفرنسي، وصار الطفل محمد عليه العمد. وكلما حلت عطلة مدرسية أسرع -وأخوه أحمد الذي، يكبره بسنتين- يبحثان عن شغل لمساعدة الوالدة على كسب لقمة العيش.. ليصبح بعد ذلك الطفل اليتيم محمد.السند للعائلة. وقد اشتغل منذ طفولته في الحلاقة والنجارة والحدادة، ثم في بيع الأقمشة في “سوق السمارين”، قرب ساحة جامع الفناء. 

في السنوات الأولى من عقده التاني، لما كان في خلية المقاوم الشهيد بالحاج البقال، الذي اختار له لقب “الجندي” بعد الوثوق فيه وفي شهامته وصلابته وإيمانه، كانت الصدمة التانية في حياة محمد حسن الجندي بعد أن تم وقوع بالحاج البقال في أيدي المستعمر الفرنسي الحكم عليه بالإعدام..

من حسنات العمل الوطني أنه رسّخ شغف محمد حسن الجندي بالأدب والشعر، مُطلعا هاويا، ثم مُمارسا. فكان أول بروزه الفني المُنظم داخل فرقة “الوحدة المراكشية”.. وكان أول أعمال الفرقة على الإطلاق مسرحية “هكذا قضت الأحوال” للمؤلف اللبناني عيسى سبا.. ويشاء الله أن تحضر العرضَ الأول لجنةٌ من العاصمة كانت تجول البلاد لاكتشاف المواهب، يترأسها مُؤسس قسم التمثيل العربي في دار الإذاعة المغربية الراحل عبد الله شقرون، الذي لفت انتباهه الفتى محمد ذو الصوت الواثق ذي الشجون، ليختاره في فرقة المسرحية للإذاعة الوطنية.

من هنا يدات الانطلاقة الرسمية الممثل البطل. وقد نشأت على مجموعة من الفرق المسرحية التي صالت وجالت داخل وخارج ارض الوطن..

ويعدّ محمد حسن الجندي القامة السينمائية حالة خاصة في المسرح والسينما والتلفزيون، المغربية والعربي، إذ كانت له أدوات التمكن في اللغة العربية، كتابة ونطقا. ومع الأسف الشديد، لو كان مصريا أو سوريا أو لبنانيا  لأشادوا به وجعلوه مشعلا ومنارة يقتدى بها، كما تقتدى بالمنارة السّفن..

كان حسن الجندي بوصلة الأداء الفني الرائع، وتوقيع بصماته حاضر في أداء فني راقٍ لا يختلف عليه اتنان. وقد شارك في أشهر الافلام العربية، أهمها “الرسالة”

 الذي مثل فيه دور أبي لهب والكل يتذكر حواره مع عبد الله غيث يعد الصفعة أمام الكعبة “باسل مغوار أنت يا أبا جهل، فكيف لا وأنت تحارب وحدك وبدون سلاح؟”..

محمد حسن الجندي أبرز الوجوه الفنية العربية في المسرح والدراما والإذاعة والسينما والتلفزيون، أتقن جميع الأدوار، خصوصا التاريخية بصوته الهجن وسلامة نطقه للغة العربية الفصحى. فرحمة الله على الفقيد محمد حسن أحجام (الجندي) وليسكنه الله فسيح جناته في هذا الشهر الفضيل، اللهم أمين يا رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *