اسبانيا- محمد الحاجي

أغلب المسافرين الذين يمرون من محطات الإركاب في المطارات و الموانئ الإسبانية الكبيرة، يجهلون أن هذه الفضاءات التقنية التي بُنيت بجودة عالية كانت وراءها شركة عملاقة في مجال الهندسة و اللوجيستيك تسمى مجموعة “أديليتي ” و هي فرع لأصل المجموعة الصناعية و المالية الكطلانية الشهيرة “ترابوسا” التي تأسست سنة 1962 على يد مقاول يسمى ” ألفريد بارتوميو ” و تدرجت مع الأبناء و الأحفاد لتصل إلى ملكية تشافي و جوسيب الرئيس الحالي لنادي البارصا.

بعد عام من تأسيس ألفريد بارتوميو لشركته سيصبح جَدّا لأول مرة بعدما رزق إبنه البكر بمولود سماه ” جوسيب ماريا ” .. إسم كطلاني خالص تحرص العائلات على الحفاظ عليه في رمزية لثقافة الإقليم و تاريخه المليء بالصراعات المفصلية في علاقتها بالجذور و الهوية المحلية.

مبكرا سيفتح الطفل ” بيب ” عينيه على عوالم الطبقة الأرستقراطية و مظاهر غنى العيش رفقة إخوانه الثلاث ميريا و إستر و تشافي … هناك في بلدة ڤيلانوڤا دي ڤالس القريبة من برشلونة كان منزل العائلة الكبير وسط حي معزول كل شيء فيه يشير إلى المستوى المعيشي لقاطنيه و الذي يتشكلون في غالبيتهم من رجال الأعمال الأغنياء الذين يؤثرون في إقتصاد كطالونيا و باقي الأقاليم الإسبانية.

في سن التمدرس سيجد الفتى ” جوسيب ماريا ” نفسه في المدرسة الأوربية لبرشلونة و هي مؤسسة تعليمية خاصة ليس في متناول الجميع ولوجها .. فقط أبناء الأغنياء و بعض الأطفال النوابغ الذين تشفع لهم معدلاتهم بمزاحمة الميسورين في تلقي تكوين عالي الجودة .

هناك في المدرسة الأوربية سيمضي بارتوميو سنواته في التمدرس و التحصيل تحت مراقبة صارمة للمدير بيرا روفيرا الذي كان حريصا على تطبيق مناهج تعليم من سيعهد إليهم تدبير ثروات عائلاتهم بعد سنوات قليلة .. كانت الأنشطة الرياضية في المؤسسة ترمز إلى مستوى التلاميذ أيضا .. كانت كرة السلة و الهوكي و التنس ، باستثناء كرة القدم فممنوع مزاولتها .. كان المدير يعتبرها رياضة للناس العبثيين ، لذلك تركها بعيدا خارج الأسوار .

بارتوميو وجد ضالته في كرة السلة ، هناك تعلم بعض تقنياتها و غادر إلى الجامعة لدراسة الإقتصاد و تسيير المقاولات ليمزج بين الدراسة و اللعب لبارصا الباسكيط و بعدها الإسبانيول.. في الجامعة أيضا سيلتقي في مدرجاتها مع الرفاق ساندرو روسيل ، جوردي ميستري و خابيير بورداس … الرباعي الذي سيشكل بعد سنوات من ذلك الأضلع الرئيسية للفصيل الذي سيدبر شؤون نادي البارصا .

جوسيب بارتوميو بعد تخرجه من الجامعة و تأسيس فرع شركة ” أديليتي ” رفقة أخيه تشافي ، سيدخل سنة 2003 إلى المكتب المسير للنادي الكطلاني مكلفا بفرعي كرة السلة و الهوكي .. سنتان بعد ذلك سيقدم استقالته بعد خلاف مع الرئيس المحامي جوان لابورطا و سيعود إلى شركته و أرقام معاملاتها و صفقاتها الناجحة الكثيرة .

في 2010 سيأتيه العرض من رفاق المشوار للعودة إلى المدينة الرياضية خوان غامبير عبر الترشح ضمن لائحة ساندرو روسيل كنائب له و إزاحة تيار لابورتا من موقع القرار داخل نادي البلاوغرانا .. قبل سنتين على نهاية الولاية اضطر روسيل إلى تقديم استقالته للجمعية العمومية للنادي على خلفية المتابعات القضائية بتهم الفساد المالي و الإحتيال الضريبي بعد التعاقد مع النجم البرازيلي نيمار .. سيخلفه بارتوميو طبقا للقوانين الداخلية ليجد نفسه أمام إعصار يهدد بمسح إنجازات لابورتا التاريخية .

عقوبات مالية من مصالح الضرائب بعد صفقة انتقال نيمار المشبوهة من سانتوس إلى برشلونة و عقوبات رياضية من طرف الفيفا بعد خرق مدونة الأخلاق المتعلقة باللاعبين القاصرين و التي منعت البارصا من سوق الإنتقالات لموسمين متتابعين .

بارتوميو لن ينتظر نهاية الولاية و سيعلن بعد عام من موقع الرئيس المكلف بتصريف الأعمال إلى انتخابات مبكرة سيفوز بها بنسبة 54 % من أصوات برلمان النادي الكطلاني .

توالت السنوات و المواسم ، قام فيها بارتوميو بالعديد من الإجراءات و أصدر القرارات و عيّن هذا و أقال ذاك .. تعاقد مع المدربين و اللاعبين و فاوض على آخرين .. تصرف كثيرا في مالية النادي لإبقائه مع مجموعة الأقوياء على الصعيد الأوربي .. لكن الفشل صاحبه في أغلب قراراته و صفقاته و إجراءاته … هدوء شخصيته في مواجهة الإنتقادات الكثيرة الموجهة إليه لا تعكس أبدا أي كاريزما للقيادة .. يتهمه أنصار البارصا بعدم درايته بعالم كرة القدم و افتقاره للتمرس في التدبير المالي لدواليبها و عدم توفره الكفاءة اللازمة لذلك … هو في نظر الكثيرين مجرد مقاول ورث المال من عائلته و أخطأ طريقه إلى رياضة أصبح تدبير مستواها العالي أعقد بكثير من تدبير مداخل المطارات و الموانئ .

بعد ولاية كارثية على جميع المستويات ، و بعد نكسة ملعب النور بلشبونة و قضية ذهاب ميسي ، بات واضحا أن بارتوميو أصبحت ِرجله الأولى خارج البارصا .. في فبراير المقبل حيث موعد انتخاب الرئيس الجديد الكل ينتظر أن يُخرِج رجله الثانية و يعود إلى مقاولاته و شركاته و ينمحي وجوده من واجهة نادٍ أكبر منه !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *