سعيد بلفقير

نمت كما تنام الكلاب، آمنة مطمئنة، ثرى من أسفل وثريا في الأعلى، ولا شيء في البال لأن القوت يأتي به رب الأقوات، لا دين لكلب علي ولادين لي على كلب، لا ضغينة بيننا ولا حقد ولا حسد، كلنا ننبح عند الحاجة وكلنا ننهش ساعة الخطر.

أشرقت الشمس، أرسلت خيوطها كالعادة تدغدغ الحنايا، فتحت عيني بصعوبة، أردت أن أتمطى كي أنفض عني كسل ليلة لا أذكر منها شيئا ..

ملت يمينا فإذا بي أقع، كيف وقعت وأنا أصلا أنام على رصيف، ومن أين وقعت؟ الشمس تبدو بعيدة على غير العادة، تحجبها ستارةشفافة، وقفت على أربع فلم يستقم الأمر، قائمتاي الخلفيتان أطول، تأملت الأماميتين فإذا هما يدا إنسان، ما هذا يا إلهي! كلب بيدي إنسان ، هل صرت مسخا؟! قائمتاي الأخريان استحالتا قدمي إنسان أيضا، ما هذا؟ هل صرت إنسانا؟!

أمامي خزانة ملابس، كسوت منها جسمي العاري، والذي لم أكن لأخفيه لولا أنني إنسان.

خرجت أكتشف ما يدور بالخارج، التقيت بباب العمارة شخصا في غالب الظن هو جار لي، ابتسمت بوجهه دون أن أنطق مخافة أن يسبقالنباح تحية الصباح وبلا شعور مني أردت أن أهز ذيلي فرحا برؤيته، لكنه رماني بنظرة بئيسة وتأفف، هل يعرف حقا أنني كلب، أم انه يراني  كذلك.

وقفت على الرصيف أبحث عني فلم أجدني فأيقنت أنني فعلا صرت إنسانا، حاولت أن أهرول مطمئنا كما كنت أفعل، أن أفتح فمي بما يشبه الإبتسامة، فرأيت العابرين عابسين ينظرون إلي بتقزز، فقطبت بين الحاجبين وتأبطت بؤسا ومشيت مثلهم، في المقهى القريب يجلس ثلة مقامرين  يتحدثون عنا، أقصد عن الكلاب، فأمعنت النظر فإذا هم من مدمني رهانات سباق الكلاب، ابتسمت وأنا أردد، حمدا لله أنا كنتكلب شوارع لا علاقة لي بالأمر.

غير بعيد مني ترك رجلان سيارتيهما وأمسكا بتلابيب بعضهما البعض، وهلم لكما وركلا حتى سالت الدماء، هل هذا هو الإنسان؟!

هربت من المكان أبحث عن ملاذ، شاب قبيح المنظر، يسلب فتاة حقيبتها ويفر مسرعا وخلفه صراخ يصم الآذان، سأركض وراءه وإذا اقتضىالأمر أنقض عليه أنهش ساقه، وجدتني بطيئا لا أقوى على اللحاق به، بالكاد اكتشف أنني وراءه فتوقف، ربما خوفا مني، أخرج من حيث لا اعلم سيفا فتذكرت أنني لست كلبا يخيف الهاربين، فهربت.

جلست على ما تبقى من كرسي في حديقة، بالكاد ألتقط أنفاسي، فإذا باللص ومعه شخص آخر، وسيف آخر، ورعب جديد لم أعرفه فيحياتي السابقة.

خاطباني معا فيما يشبه السب، هل تدعي الرجولة، هل أنت رجل؟!

بدون شعور مني أجبت: لا أنا كلب.

ضحكا معا دون أن يحرك اللص سيفه الموضوع على رقبتي، طلبا مني أن أعطيهما ما أملك، فبدأت بخلع ملابسي، فهي كل ما أملك الآن.

ماذا تفعل؟ لا السروال لا! قبل أن يفرا من جديد أصر أحدهما على التوقيع بسيفه على خدي، وضعت يدي على الجرح وركضت أصرخ ثمأصرخ.. صراخ.. صراخ.. نباح

فأفقت من الكابوس أتحسس جسمي، ما زلت على أربع أمشي، رأيت ظلي المنعكس ورأيت فيه ذيلي، الحمد لله ما زلت كلبا.

*صحفي مغربي في قطر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *