حسين عصيد

 

منذ الأزل، ورغم انتشار حضارات عظمى على أعتاب القطب الجنوبي، كانت تملك من الإمكانات ما أتاح لها التنقل عبر القارات في رحلات بشرية كثيفة، إلا أنها لم تتجرأ على اختراق البساط الأبيض الممتد لآلاف الكيلومترات لهذه المنطقة، والتي أشيعت حولها أساطير مخيفة ثبطت عزيمة كل من عقد العزم على خوض المغامرة، ليظل المجهول عنوان القطب الشمالي قرونا طويلة، إلى حين نظّم النرويجيون بعثة استكشافية سنة 2011، كانت مهمتها استكشاف القطب الشمالي، وصفتها الصحافة الأوروبية آنذاك بـ “العملية الانتحارية”، لأن من خاضوا تلك التجربة لم يتوقعوا عودتهم من أساس، بل تركوا المجهول يسوق قدرهم المظلم، ليلجوا بيئة تنزل فيها درجات الحرارة إلى 70 تحت الصفر.

وكانت البعثة النرويجية تتكون من بضعة عشر فرداً يتقدم المستكشف الشهير رولد موندسن، قرروا قهر القطب الجنوبي في رحلة لم تُحدد عدد أيامها، حيث عمدوا فيها إلى الإبحار بسفينة تنقيب قطبية، اشتروها بالمبالغ المالية الكبيرة التي مُنحت لهم من طرف عدد من الأغنياء المحبين للمغامرة، وحظوا بتشجيع بعثة الأمريكي فريدريك كوك، التي تمكنت بضع سنوات قبل ذلك من بلوغ نقطة الوسط في القطب الشمالي، إلا أنها فقدت في مقابل ذلك عددا كبيرا من الرجال.

في عام 1903، قاد موندسن أول حملة استكشافية نجحت باجتياز الممر الشمالي الغربي إلى كندا بين المحيطين الهادي والأطلسي، وهو طريق غدّار بين البر الرئيسي الشمالي الكندي وجزر القطب الشمالي الكندية، حيث استغرقت الرحلة الصعبة 3 سنوات، وقد قضوا فصلين من الشتاء في جزيرة “الملك ويليام” في ميناء “نونافوت” كندا.

أثناء هذا الوقت، تعلم العديد من المهارات للبقاء على قيد الحياة من شعب “الأسكيمو” المحلي، كما تعلم استخدام الكلاب بنقل البضائع، وارتداء جلود الحيوانات للحماية من البرد، ليبدأ بالتخطيط لبعثته إلى القطب الجنوبي،  ويتحضر بشكلٍ جيد لهذه الرحلة، منطلقا مع أربعة مرافقين، و52 كلباً، وأربعة زلاجات إلى المجهول، حيث وصل فريقه إلى حافة هضبة القطب الجنوبي في 21 نوفمبر، وبعد أيام قليلة وصلوا إلى النقطة الوسطى من القطب الجنوبي في 16 دجنبر 1911.

في عام 1926، شكّل فريقا من 15 رجل، وطاقم طيران إيطالي بقيادة مهندس الطيران أومبرتو نوبيل، وذلك للقيام بأول عبور للقطب الشمالي بالمنطاد الذي سُمي “نورج”. وقد انطلقوا من “سبيتزبيرجين” في 11 يوليو 1926، وهبطوا في “ألاسكا” بعد يومين، ليصبحوا أول المستكشفين يصلون إلى القطب الشمالي بواسطة منطاد.

لم يتوقف موندسن عن خوض غمار المغامرة، بل قرر في 18 مايو 1928 التحليق في طائرة مع 5 من أفراد طاقمه من أجل إنقاذ بعثة أخرى فُقدت وسط ثلوج القطب الشمالي، لتتحطم طائرتهم الإيطالية أثناء عودتهم، فلم تثبت وفاته إلا حين صادفت بعثة أخرى أجزاء الطائرة المفقودة سنوات بعد ذلك، ليُوصف بذلك بلقب أفضل مستكشف في القرن العشرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *