ياسين عدنان

سلامًا من لندن.
لم تكن مراكش هذه المرة أكثر من محطة عبور.
بعد عودتي من القاهرة، التقطتُ الأنفاس في مراكش لثلاث ليالٍ ثم واصلتُ الرحلة إلى لندن. ثلاث ليال فقط من أجل اللقاء مع الأسرة والأصدقاء ثم لبّيت نداء الضباب في عاصمته الأثيرة. سافرتُ مع الخطوط البريطانية، هكذا أسلم وأضمن والله أعلم.
كان سفير بريطانيا في المغرب قد أطلق أكثر من رصاصة إلكترونية على الخطوط الملكية المغربية في تغريداته على تويتر في الآونة الأخيرة ممّا جعلني أتهيّب السفر عبر خطوطنا الوطنية باتجاه لندن. لحسن الحظ أن السفر من مراكش باتجاه عاصمة الضباب مؤمّن من طرف الخطوط البريطانية عبر رحلة مباشرة.
أخذتُ جرائدي من كشك المطار. أمام الكشك، هناك صفٌّ من اللوحات يضفي رونقا خاصا على الممر المُفضي إلى صالة الإركاب. سعدتُ وأنا أرى لوحات فنانين أصدقاء: إبراهيم الحيسن، شفيق الزكاري، وعبد الكريم الأزهر. مطار مراكش بهيج دافئ، لكن إبداعات الفنانين المغاربة تُدفئه أكثر.
في الطائرة، تصفّحتُ الجرائد لأفاجَأ بحوار مطوّل مع السفير البريطاني توماس رايلي بجريدة “الأخبار” أجراه معه الزميل محمد اليوبي. يا لَعجائب الاتفاق. كان الحوار يمتدّ على صفحة كاملة. طبعا لم يُفوّت السفير الفرصة لكي يطلق المزيد من النار على “لارام”. تحدّث عن غضب السياح البريطانيين واستيائهم من خدمات الشركة. “وهذا لا يضرّ بسمعة الشركة فقط، وإنما بسمعة البلد – يقول السفير- لأنّ لارام هي سفير البلد”.
يزعجني تجاسر السفير على ناقلنا الرسمي الوطني رغم أنني – وكزبونٍ وفيٍّ لشركتنا الوطنية – كتبتُ منتقدًا خدماتها في أكثر من تدوينة. لكنني مع ذلك أتصوّر أن منصب السيد رايلي كسفير يفرض عليه بعض التحفظ واللباقة في الانتقاد. فهو، على كل حال، ديبلوماسي وليس صحافيا. على كل، الرحلة طويلة، ويمكنني قراءة حوار السفير كاملا. تحدّث السفير البريطاني بحماس عن “تمكّن الشركات البريطانية من اكتشاف كميات هائلة من الغاز الطبيعي بالمغرب”. نعرف جميعًا أن السيد رايلي مقرّب من شركات المحروقات وشركات التنقيب عن الغاز والبترول في بلده. لهذا تلقّيتُ تصريحاته هذه ببعض الحذر.
تعبتُ قليلا. لا ليس تعبًا. بل جوعًا كان. ياه، لا أخفيك سيدي السفير، وبعد إذنك طبعًا، أنني تمنّيتُ في قرارة نفسي لو أنّ الرحلة كانت على متن إحدى طائرات الخطوط الملكية المغربية. على الأقل كنتُ سأمنّي النفس بوجبة غداء ومشروب مجانيين. لكن، ما علينا، حتى هنا يمكنني أن أتناول وجبة خفيفة.
أرجوك سيدتي، ناديت المضيفة.
تفضل.
طلبتُ ساندويتشا ومشروبا. أبلغتني بالثمن. أخرجت ورقة من فئة 50 جنيها إسترلينيا، لكن المضيفة اعتذرت: الأداء يكون بالبطاقة.
لكن بطاقتي البنكية الوطنية لا تتيح لي الصرف بالعملات الصعبة. يمكنني أن أدفع كاش. ما المانع؟
آسف سيدي، لا نقبل الكاش.
وهكذا كان جيراني يا سيدي السفير يأكلون ويشربون وأنا أحاول ألا أتلصّص على أطباقهم. كنتُ أحدّق في صورة الملكة على ورقتي النقدية أريد أن أشكو لجلالتها سوء حالي ولا أعرف كيف.
في حوارك سيدي السفير قلتَ محتجًّا على لارام: “هذا أسلوب غير لائق، فنحن زبناء ندفع أموالنا.” أمّا أنا فكنتُ على متن خطوطكم الجوية ذلك الزبون التعيس الذي يريد أن يدفع ماله لسدّ رمقه ولا يجد من يأخذه منه. طبعا ونحن في الجو، لا يمكننا مغادرة الطائرة للبحث عن ساندويتش في الجوار. كنت رهينة لديكم إذن. أضيع من يتيم كنت. هكذا كُتِب عليَّ الصيام إلى أن بلغتُ لندن.
الساعة الآن تشير إلى الثامنة مساء وأربعين دقيقة بتوقيت غرينيتش. وأنا حتى الآن لم أتناول وجبة الغداء.
أستأذنك سعادة السفير. سأخرج فورًا للبحث عن أقرب مطعم. وآسف لإزعاجكم.
مع تحياتي لك من لندن… هذه الفاتنة التي تستحق تدوينة أخرى بمزاج رائق ومعدة ليست فارغة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *