رئاسة التحرير

لعلّ أول وأهمّ ما يُشترط في السياسي حتى يقتحم دائرة الناجحين في “فنّ الممكن”، السياسة، أو يقترب من حدودها، أن تكون له الموهبة في المجال، موهبة التفكير والفهم السياسي السليمين طبعا، وليس “موهبة” أخرى مما لا يفتأ صاحبنا “وهبي” يُظهر “موهبته” فيه، بالانقلاب على رفاق الأمس، كما على الخصوم والأصدقاء وما تظنون، سواء كنتم في الرباط أو في تاليوين الحزين.

مناسبة هذا الكلام ما أبان عنه عبد اللطيف وهبي، القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة وأحد متزعمي ما يسمّى “تيار المستقبل”، المناوئ لـ”تيار الشرعية”، بقيادة حكيم بنشماش، داخل الحزب، من “حربائية” في تصريف مواقفه حسب ما اقتضت الضرورة، ضرورته البراغماتية، طبعا.

وإذا كان السياسي الناجح مطالبا، أيضا، بألا يتحدث كثيرا في ما لا ينفع الناس، وإن فعل “يْضرب ويْقيّس” فهذا ما يبدو أن “أبو المواهب” لا يعمل به أيضا.

وهبي و الياس
وهبي و الياس

وقد انتشر بين نشطاء موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” شريط ساخر يعدّد فيه ناشره التصريحات المتناقضة إلى حد يبعث على الحيرة صرّح بها وهبي في مناسبات متفرّقة، كاللقاءات التواصلية الحزبية واللقاءات الصحافية.

ولعل ما يثير الانتباه، في هذا الفيديو ظهور البرلماني الروداني، نسبة إلى تارودانت، كبد سوس العالمة وحاضة تاليوين الحزينة جراء القمع والاسبتداد و”ظلم ذوي القربى”،  في مظهر ذلك السياسي اللي “ما عندوش صاحبو”.

لا مشكل لدى “الموهوب” وهبي، في أن يتحدّث عن الأمين العام السابق لحزب “الجرار”، إلياس العماري، قائلا “لقد أساء إلى هذا البلد وإلى السياسة في هذا البلد”، قبل أن يُذكّره الصحافي الذي حاوره بتصريح له في لقاء حزبي بحضور إلياس قال فيه، بالصوت والصورة “إيلا كانْ عْندي شي دور في البرلمان فهو بفضل إلياس، الجالس ورائي كيدعّمني وكيدفعني إلى الأمامْ، وأنا كنشكرو”.. متناسيا، أن حبلَ التنقاز قصير، أليس كذلك يا صاحب “المواهب”؟ وبتعبير أقرب إلى “تمغربيت”، “خلّي النقاز حتى ينسى وْفرشو”.. إييه “التنقاز والنقاز” هو هذاك المعنى.. سير ع الله..

الشخصية الثانية التي تنكّر لها وهبي وفضحت “حربائيته” في تصريف موقفه منها في مناسبتين مختلفتين، هي عزيز أخنوش، رئيس حزب “الحمامة”، الذي كان صاحبنا الموهوب قد قال عنه، في لقاء صحافي، إنه (أي أخنوش) ابن بلده ويجمع بينهما الانتماء الجهوي، بحكم انتمائهما معا إلى سوس، مؤكدا أنّ أخنوش “راجْل ناجحْ على مستوى الأعمال وشْخصية قوية.. كان يحتاج إلى شيء من السيّاسة فتعلّمه بسرعة، وهو رجل له قدرات كبيرة وفهِمَ الوضع السياسي في المغرب ويساهم فيه بشكل ذكي، وسيكون له ما له في المستقبل”..

لكنْ، السيد وهبي، نفسه، سيتلوّن بما تقتضي اللحظة والمصلحة، كما قلنا، ويصرح عندما سأله أحد الصحافيين في برنامجه إذا كان سيُسند إلى أخنوش مسؤولية وزارةٍ ما لو كان (وهبي) رئيسا للحكومة، ليجيب، بدون تردّد: “أبدا! اللي عْندو لفلوس ما عندو ما يدير فالحكومة.. يمشي يْقابل فلوسو”..

وهذا قول ما أنزل الله به من سلطان وما نص عليه قانون ولا دستور… لأنه عْلى هاد لحسابْ  اللي ما عندوشّ لفلوس هو اللي يْجي يقلّبْ عْلى شي “بريكولْ” فالحكومة، يقدرْ يديرْ لاباسْ، ياك أسي “وهبي”…. وبالمناسبة، هي دابا الرئيس ترامب “ما عندو فلوس مسكين، حتى نعس وفاق وأصبح رئيسا لأمريكا”.. أو لنقل هي أنت أسي وهبي ما عندك فلوس، أو ما عندك شغل، لذلك جئت إلى السياسة لتصبح بين ليلة وضحاها طامعا في زعامة الحزب الثاني في المغرب، وفي رئاسة حكومة 2021..

لنترك إلياس العماري وعزيز أخنوش وننتقل، الآن، إلى الجهة الأخرى، إلى حيث صديقه الحميم أو هكذا يبدو المشهد الصعب على الفهم، الأمر يتعلق بعبد الإله بنكيران، الذي كان وهبي في عز الصراع السياسي بين حزبه “البام” و”البيجيدي”، لا يجد حرجا، في مقارعة وزراء معينين في البرلمان ويزور، خلسة وعلانية، بنكيران في مسكنه في ديور الجامع بالرباط..

وهبي في منزل بن كيران
وهبي في منزل بنكيران

بنكيران، الأمين العام السابق لحزب “البيجيدي” ورئيس الحكومة السابق، بعدما انتهى به لسانه الطويل إلى التقاعد السياسي والتجريد من المسؤوليات الحزبية، والعيش بمعاش مُنعم به عليه، سينال نصيبه من “حربائية” وهبي، الذي قال، في لقاء إذاعي بُث على إحدى المحطات الإذاعية الخاصة، عن رئيس الحكومة السابق: “بنكيران حين ينطق كلمة يعرف إلى أين تتجه.. وحتى فالنظرات ديالو، يضبطها”..

جميل أن يقول سياسي عمّن يُفترَض فيه أنه خصمه أو صديقه أو ما تظنون كلاما مثل هذا، لكنْ.. انتظروا لحظة، لا تستبقوا الأحداث، فلنسمع ما قال عنه في مناسَبة أخرى.

هو وهبي نفسه، لم يراع “لا طْعام ولا ملحة”، كما يقول المغاربة، عندما أخذ في قصف بنكيران، واصفا إياه بـ”الصعب، الذي فقد الكثير من مصداقية الخطاب”..”مصداقية الخطاب”… هادي عندك.

ونكتفي بهذه “الفرشات” الموثقة بالصوت والصورة… التي تُظهر كيف سقط القناع عن القناع ، كما قال درويش، وسقط القناع عن وهبي.. ونقول له: إيوا نوض على سْلامتك.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *