محمد سليكي

[email protected]

اِنتهت قبل قليل، أشغال الدورة السادسة عشرة للمؤتمر الوطني لحقوق الطفل، التي نظمها على مدى ثلاثة أيام في مراكش المرصد الوطني لحقوق الطفل، دون أن تنتهي معها الانتهاكات الحقوقية في حق الطفولة المغربية، رغم أهمية النقاشات والتوصيات التي شهدها المؤتمر.

وغير خاف على أحد أن المرصد، على الرغم من رعاية القصر التي ظل يحظى بها منذ تأسيسه، بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني عام (1993) أي مباشرة بعد مصادقة المملكة على الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل، ظل يتطلع دائما الى سياسات عمومية على عهد مختلف الحكومات المتعاقبة، تسهم في تنزيل الأهداف الذي أُحدث من أجلها، ألا وهي جعل قضايا طفولتنا أولوية في برامجنا الحكومية وسياستنا العمومية وثقافتنا المجتمعية، وهذا هو الأهم.

ولمعرفة مدى مواكبة الشركاء الحكوميين تحديدا لسرعة المرصد للوصول الى تلك الأهداف، يكفي التساؤل مثلا، حول مدى التزام الشركاء الحكوميين بإنجاح حملة “الرباط مدينة بدون أطفال في الشوارع”، التي أطلقها المرصد في 2018 على هامش القمة الإفريقية “أفريستي” في مراكش، تنزيلا لمضامين الرسالة الملكية الموجهة للمشاركات والمشاركين في حفل الإطلاق الرسمي للحملة الإفريقية “من أجل مدن إفريقية بدون أطفال في وضعية الشارع”، وهو الحفل الذي ترأسته الأميرة للا مريم، رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل.

وبعيدا عن الأرقام والتقارير التي أعدّت حول حصيلة هذه الحملة، التي عبّأ المرصد كل إمكاناته لإنجاحها، فإن الواقع يقول إن وضعية “الأطفال في وضيعة الشارع في الرباط” مقلقة للغاية، فلا تكاد مقاطعة من مقاطعات العاصمة الرباط تخلو من مظهر من مظاهر “أطفال في وضعية الشارع”، أما مقاطعتا اليوسفية ويعقوب المنصور فتلك قصة أخرى..

 بصُورِ حَصرية..الأميرة للا مَريم تُطلق حملة مُدن إفريقية بِدون أطفال الشارع

وما عدا المصداقية التي يتمتع بها المرصد عند الهيئات الاممية والدولية والمبادرات الخلاقة التي يعلنها من مناسبة إلى أخرى، من قبيل إعلانه، قبل قليل، الميثاق الوطني من أجل الطفل (خارطة الطريق في أفق 2030) الذي قدّمته، بحضور الأمير للا مريم، المديرة التنفيذية للمرصد الوطني لحقوق الطفل، لمياء بازير، فلم يعد شيئٌ من قول الساسة بشأن الطفولة يغري بالإنصات، فبالأحرى تصديقه.

لذلك، لم يعد مغريا أن تسمع رئيس الحكومة يقف أمام أكثر من 3 آلاف مشارك في مؤتمر مراكش، بينهم ممثلو السلطة التنفيذية ومسؤولون عموميون وشخصيات أممية وممثلو المجتمع المدني والقطاع الخاص، إضافة إلى الأطفال أنفسهم.. ليقول “أطفالنا في عيوننا وحمايتهم أولويتنا”، ما لم يلتفت إلى وزارة الأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، ليتساءل عن مصير الشراكات الموقعة مع هيئات مانحة لتمويل برامج حماية الطفولة، وهل يعترض بعضها “البلوكاج”؟.. وهذا ملف سنعود إليه في صحيفة “le12.ma” لاحقا.

لم يعد مغريا أن تسمع رئيس مجلس النواب وهو يقول، أمام المشاركين في أشغال الدورة السادسة عشرة للمؤتمر الوطني لحقوق الطفل، بمن فيهم الأطفال البرلمانيون وهم يحتفلون بمرور 20 عاما على تأسيس برلمان الطفل المغربي، إن مجلس النواب سيواصل عمله من أجل تطوير وتحيين المنظومة التشريعية الوطنية، من خلال القوانين المتعلقة بتعزيز حقوق الأطفال، والحكومة والبرلمان أقرا في عهده اعتماد قانون التوقيت الصيفي كتوقيت رسمي بالمملكة، ضدا على حق الطفل في الساعات النوم الكاملة وحقوق مجاورة..

لم يعد مغريا أن تسمع رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضى الشامي، يقول بهذه المناسبة، إنه “دونما استثمار كاف في الطفولة ليس بمستطاعنا زعم الحد من الفقر ومن التفوتات الاجتماعية وزيادة رفاهية مجتمعنا والنمو الاقتصادي“، والطفل المغربي في عدد من مناطق المغرب إن وجد الغذاء لم يجد الكساء..

لم يعد مغريا أن تسمع مسؤولا، كيفما كان موقعه، سواء في وزارة “الوزيرة المحظوظة” جميلة المصلي، أم في وزارة الوزير “أبي الحقائب”، الحسن عبيابة، يتحدث عن “الطفل في صلب النموذجي التنموي الجديد”، والحال أن “الأطفال في وضعية الشارع” لا تخطئهم العين وهم يجوبون شوارع ودروب العاصمة الرباط وباقي مدن البلاد..

وغني عن البيان أن وزارتهما، أي وزارتي الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، ووزارة الشباب والرياضة، كانتا من بين الموقعين على اتفاقية متعددة الأطراف بين المرصد الوطني لحقوق الطفل، إلى جانب وزارة الصحة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، وتنسيقية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمجلس الجماعي لمدينة الرباط، قصد إطلاق مبادرة القضاء على ظاهرة “الأطفال في وضعية الشارع”، في أفق تعميمها في كافة ربوع المملكة.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، ونحن نتحدث عن حق الطفولة في النموذج المغربي وعلاقته بالسياسات العمومية للحكومة، ممثلة في وزارة الشباب والرياضية، فلا أدري ما إذا كان المشاركون في مؤتمر مراكش قد أخذوا علما بتقرير “صادم” صدر من منظمة الصحة العالمية -وانفردت صحيفة “le12.ma” بنشره- حول حق الطفل المغربي في التربية البدنية، وهو حق لو جرت حمايته وصيانته لربح المغرب نقطا عديدة في مؤشّرات مكافحة انحراف الناشئة وتهذيب سلوكها بما يخدم مستقبل الطفولة والمجتمع.

يقول التقرير، قبل ثلاث سنواتٍ من اليوم لم يكن متوسط ممارسة الأطفال المغاربة للتمارين البدنية لا تقل نسبته عن %87، إلا أن هذا الرقم “تهاوى” في 2018 ليصل إلى حدود 81%، وهي نسبة مقلقة حسب منظمة الصحة العالمية، إذ تتهدد الأطفالَ الخاملين أمراض خطيرة قد تُؤثر في نموهم الطبيعي، مثل السمنة والسكري.

مجلة “ذي لانسيت” الطبية، التي تصدُر في بريطانيا، أوردت أنه في دراسة حديثة لمنظمة الصحة العالمية، استندت إلى بيانات مُتاحة من 146 دولة حول العالم، منها المغرب، أن الأطفال المغاربة باتوا أكثر عُرضة للخمول مقارنة مع الجيل السابق، إذ أن %90 من الفتيات المغربيات ما بين 11 و17 سنة لا يُشاركن في أنشطة بدنية كافية لتجديد طاقتهن، والتي تناهز مدتها 60 دقيقة يوميا.

 الدراسة، أفادت أيضا، بأن المغرب كان واحدا من 27 دولة ناهزت فيها نسبة خمول الأطفال والبنات 90%، في حين حققت بلدان أخرى نسباً متوسطة لا تزيد عن 84%، ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى إطلاق حملة لتشجيع النشاط البدني لدى الأطفال حول العالم بعنوان “أطفال أكثر نشاطا من أجل عالم أكثر صحة”، تروم من خلالها خفض نسبة عدم مشاركة الأطفال في تمارين بدنية إلى %65 بحلول 2030.

وإذا كان هذا التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية قد “فضح” واقع فشل الحكومة في ضمان حق الطفل في ممارسة التربية البدينة، فكيف يكمن تصديق خطاب الحكومة إزاء النهوض بحقوق الطفل!؟ فبالأحرى “حرصها” على تنزيل التزام المرصد الوطني لحقوق الطفل بـ”إعلان الرباط.. مدينة بدون أطفال الشارع”..

ولما كان الامر كذلك والحالة هاته، فيد المرصد لاتصفق لوحدها للنهوض بحقوق الطفل، دون وجود حكومة تتمتع  بإرادة سياسية قوية، وسياسات عمومية إلتقائية، ودون الاعتماد على مجتمع مدني، نشط  وميداني ومتخصص.. والأهم ، هو التربية على ثقافة “ولدي هو ولدك”، عند  مختلف فئات أفراد المجتمع..

في انتظار ذلك، رجاءً، أيها الساسة، لا تكذبوا على طفولتنا، فهي البراءة في أسمى معانيها.. حتى لا تطاردكم لعناتها.. يكفي أنكم سرقتم ساعة نوم من راحة بدن الطفل المغربي..

أعيدوا للأطفال حقهم المغتصَب في النوم الكامل، ثم واصلوا أحلام اليقظة!..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *