محمد سليكي

[email protected]

لم يكن انتخاب رئيس الجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات -رئيس المجلس الجماعي لمدينة الحسيمة، محمد بودرا، رئيسا للمنظمة العالمية للمدن والحكومات المحلية المتحدة، في دوربان بجنوب إفريقيا، بالحدث الذي تنحصر دلالاته على هذا التتويج وكفى، بقدر ما يعكس متغيرات عميقة تشهدها علاقة المملكة المغربية بعدد من دول جنوب شرق إفريقيا، التي كانت إلى وقت قريب داعمة للطرح الانفصالي للبوليساريو، ومنها دولة جنوب إفريقيا.

لقد أظهر الإجماع الإفريقي لعمداء المدن والحكومات المحلية المتحدة بإفريقيا، الداعمة لمرشح إفريقيا المغربي محمد بودرا لتولي هذا المنصب المرموق، كيف أن قناعات الهيئات المنتخبة التي تمثل إرادة الشعوب الإفريقية لا تتماهى غالبا مع قناعات عقيدة السلطة ونظام الحكم في دول لا تزال رهينة الماضي ولا تتطلع إلى إفريقيا الموحدة.

وعلى هامش هذا الاستحقاق، الذي أظهر، كذلك، مدى جاذبية النموذج المغربي للتنمية المحلية والحكامة الترابية، ستعطي العديد من الشخصيات الجنوب إفريقية إشارات دالة على أن “جبل جليد” الخلافات بين بريتوريا والرباط آخذ في الدوبان، رغم وجود بعض “جيوب المقاومة”، كما يعكس ذلك الموقف الشاذ للأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا، آيس ماغاشولي، الذي هاجم، مساء أمس الثلاثاء، أعضاء وفد حزبه المشارك في المؤتمر العالمي لمنظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة، الذي عُقد في الفترة ما بين 11 و15 نونبر الجاري في دوربان، بسبب استيائه الواضح من انتخاب المغرب، في شخص عمدة مدينة الحسيمة، محمد بودرا، على رأس المنظمة.

الوزير أوبيد بابيلا
الوزير أوبيد بابيلا

ولتأكيد تطور علاقات المغرب وجنوب إفريقيا بعيدا عن الموقف السخيف لآيس ماغاشولي، يكفي الوقوف عند ما صرح به بوك ستو، وزير الحكم التعاوني والشؤون التقليدية في جنوب إفريقيا، حصريا لجريدة “le12.ma”، مهنّئا المغربي بودرا بفوزه المستحق، وخاصة ما بادر إليه نائبه، أوبيد بابيلا، وهما وزيران عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا.

وكم كانت مبادرة أوبيد بابيلا، غير المسبوقة، مؤثرة للغاية، وهو يتجاوز الموقف المعزول للأمين العام لحزبه، عندما التقط، مبتهجا، صورا للذكرى من قلب جنوب إفريقيا مع الصورة الرسمية للملك محمد السادس، وهي الصور التي تنفرد “le12.ma” بنشرها.

هذه المبادرة، التي تؤكد قطعا حتمية شروق شمس مستقبل إفريقيا بتطابق وجهات نظر الرباط وبريتوريا وتطلع شعبيهما نحو المستقبل بكل ثقة وبرغماتية، لا ريب أنها تشكل داخل جنوب إفريقيا قناعة الغالبية العظمى من الشعب، على حساب الأصوات النشاز، كصوت آيس ماغاشولي، الذي بتوعده بطرد المصوّتين من حزبه على المغربي بودرا وتصريحه بدعمه المفضوح للطرح الانفصالي في قضية الصحراء، يكون قد وضع نفسه ليس في مواجهة العقلانيين داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، بل في مواجهة إرادة المجتمع الدولي، لا سيما الاتحاد الإفريقي، الذي يقرّ بأن الأمم المتحدة تعدّ الإطارَ الوحيد للبحث عن حل واقعي وبراغماتي ومستدام لقضية الصحراء المغربية.

وبعيدا عن هلوسات آيس ماغاشولي، تبقى لصور أوبيد بابيلا، مع الصورة الرسمية للملك محمد السادس دلالات ومعان، لعلّ أهمها رسالة مفادها أن الشعب الجنوب إفريقي لم يكن ملف النزاع حول الصحراء بين المغرب والبوليساريو يشكل بالنسبة إليه قضيةً ذات شأن، حتى يؤسس عليها مواقف معادية للمغرب، حكومة وشعبا.

والحقيقة أن شعب جنوب إفريقيا وحكوماته المحلية، كباقي الشعوب الإفريقية، باتت تتطلع إلى الوحدة الإفريقية والتنمية المستدامة، أكثر مما تهتم بمواقف بعض الأنظمة التي تعاكس إرادة وتطلعات شعوبها، خاصة العسكرية منها، كالنظام الجزائري، وقبله نظام القذافي، المنهار، ونظام موغابي بزمبابوي، البائد، وفلول الطرح الانفصالي، المتآكل، للبوليساريو لدى فئة متجاوَزة من ساسة جنوب إفريقيا، مثل آيس ماغاشولي، شافاه الله.

تحليل. إنتخاب بودرا و إفريقية النموذج المغربي للتنمية المحلية و الحكامة الترابية

وإذا كان الماضي المشترك للشعوب المتحررة والحكومات المتقدمة أرضيةً لبناء المستقل، فلا غرابة في أن يأخذ مسؤولٌ حكومي وسياسي جنوب إفريقي من وزن الوزير أوبيد بابيلا صورا للذكرى مع صورة رسمية للملك محمد السادس، الذي كان جده الملك الراحل محمد الخامس، من داعمي حق الشعب الجنوب إفريقي في الحرية والاستقلال والوحدة، وكان والده الملك الرحل الحسن الثاني، من أبرز الزعماء المناهضين للميز العنصري بجنوب إفريقيا، بل وشّح، في قصر الرباط، صدر الزعيم الإفريقي العظيم نيلسون مانديلا بـ”الحمالة والكبرى”، وهو أرفع وسام تمنحه المملكة للشخصيات الوطنية والأجنبية.

لقد جاء انتخاب محمد بودرا، وما رافق ذلك من مواقف وازنة تجاه المغرب من قبَل حكماء وعقلاء جنوبا إفريقيا، في وقت بدأ الدفء يعود إلى العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وبريتوريا، وهو توجه إستراتيجي أكبر من تشويش الحالمين بدعم قيام كيان وهميّ فوق الصحراء المغربية.

فمند لقاء الملك محمد السادس برئيس جنوب إفريقيا السابق جاكوب زوما، على هامش قمة الاتحاد الإفريقي، وهو اللقاء الذي قال بشأنه بلاغ  للديوان الملكي وقتئذ إنه كان “وديا” و”طبعته الصراحة والتفاهم الجيد”، والعلاقاتُ المغربية الجنوب إفريقية تتقوى وتتقدم، لتتوج في عهد الرئيس الجنوب إفريقي الجديد، سيريل رامافوسا، بتبادل السفراء بعد قطيعة امتدت منذ عام 2004، حين اعتمدت البوليساريو “سفيرا” لها في بريتوريا.

وترجمةً من المغرب لروح بلاغ القصر الملكي، الذي صدر في نونبر 2017، على هامش لقاء الملك محمد السادس بالرئيس الجنوب إفريقي السابق في القمة الإفريقية بأبيدجان، والذي مما جاء فيه “واتفق خلاله قائدا البلدين على العمل سويا، يدا في يد، من أجل التوجه نحو مستقبل واعد (…) ومن أجل بناء علاقات قوية ودائمة ومستقرة، وبالتالي تجاوز الوضعية التي ميزت العلاقات الثنائية منذ عقود”، سيُعين الملك واحدا من مستشاريه سفيرا للرباط في بريتوريا، في شخص الدبلوماسي المخضرم يوسف العمراني.

الوزير أوبيد بابيلا في الرواق المغربي
الوزير أوبيد بابيلا في الرواق المغربي

وتقديرا لهذه اللحظة السياسة والدبلوماسية الفارقة في تاريخ العلاقات بين قطبي القارة الإفريقية وقائديها نحو المستقل، سيحظى السفير يوسف العمراني باستقبال رسمي من رئيس جنوب إفريقيا.

هذا الحدث الذي كتبت عنه الصحافة المحلية كثيرا ستعتبره صحيفة يومية “إس إي بيبل” الجنوب إفريقية مؤشرا على “ذوبان الجليد” في العلاقات بين البلدين، وهو ما ظهر جليا على هامش انتخاب محمد بودرا رئيسا للمنظمة العالمية للمدن والحكومات المحلية المتحدة، في دوربان، بجنوب إفريقيا، حين صوت الوفد الجنوب الإفريقي على مرشح المغرب وإفريقيا، محمد بودرا، ومبادرة الوزير الجنوب إفريقي، أوبيد بابيلا، المؤثرة، حين التقط صورا للذكرى مع الصورة الرسمية للملك محمد السادس..

هي جنوب إفريقيا، بلاد نيلسون مانديلا، تتحرر من إرث الماضي، وتتطلع نحو المستقبل بكل ثقة لإعادة إحياء المشترك بين الرباط وبرتيوريا من أجل إفريقيا قوية وموحدة، ولا عزاء لصناع الفُرقة وتجار الانفصال..

 

أوبيد بابيلا.. الوزير الجنوب الافريقي الذي احتفل بصورة الملك في سطور

الوزير أوبيد بابيلا
الوزير أوبيد بابيلا

 

الاسم: أُبيد بابيلا

المناصب الحالية

-نائب وزير الحكم المحلي والشؤون التقليدية منذ ماي 2019؛

-عضو في البرلمان منذ 2002.

المؤهلات العلمية:

-حاصل على دبلوم في الصحافة؛

-شهادة في التنمية المجتمعية والتنظيمية؛

-شهادة في السلامة والأمن؛

-شهادة في “تطوير السياسات”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *