إل. ز. -le12.ma

هاجم فيسبوكيون العالم “المقاصدي” أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بسبب مقالة نشرها في خضمّ الردود على العفو الملكي على “قريبته”، الصحافية هاجر الريسوني. 

وخلّفت التدوينة الكثير من الشد والجذب بين النشطاء المدافعين على الحريات الفردية، الذين وجدوا في ما كتب “العالم المقاصديّ” استهزاء من بعضهم، لا سيما الذين أطلقوا منهم حملة «خارْجين على القانون»، والتي يطالبون عبرها بفتح نقاش وطني حول الحريات الفردية وحمايتها قانونيا، ووضع حدّ للإجهاض السري بـ”تقنينه” والقطع مع تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين خارج إطار الزواج.

وكانت الفقرة التي أفاضت الكأس وجرّ غضبا عارما هي التي قال فيها “ولقد رأينا مؤخرا بعض النسوة الخاسرات يرفعن لافتات تُصرّح بأنهن يمارسن الجنس الحرام ويرتكبن الإجهاض الحرام. هكذا لقنوهنّ.. مع أن الظاهر من سوء حالهن أنهن لن يجدن إلى الجنس سبيلا، لا حلاله ولا حرامه”.

وأثارت هذه الفقرة بالذات ردود فعل غاضبة في أوساط المدافعين عن الحرّيات الفردية وحقوق النساء. وفي هذا السياق، ردت الناشطة الحقوقية اليسارية سارة سوجار على تدوينة الريسوني «السي الفقيه، تشويه السمعة ومحاولة تصوير المناضلات على أنهن «بايرات» داعيات إلى الإباحية، منحلات، معقدات نفسيا والإساءة إلى حياتهن الخاصة لم يعد يخيفنا ولا يمنعنا من الدفاع عن حقوقنا وقناعاتنا».

وتابعت سوجار أن «السي الفقيه لا يريد أن يفهم أن احترام الحريات الفردية هي يْدخل سوق راسو”.. إذ أن “الظهور بمظهر المثالية لا يليق لا به ولا بنا، ببساطة لأننا بشر والبشر له تناقضاته، قناعاته واختياراته”. وأبرزت أن «السي الفقيه ما زال يحاول أن يضلّل الرأي العام بربط احترام الحريات الفردية والخاصة بالرذيلة والتشجيع على الحرام، رغم أنها أصبحت لعبة مكشوفة لأصدقائه قبل خصومه»، مؤكدة أنه “يظن أن النساء في هذا البلد مازال يمنعهنّ تشويه السمعة والإهانة من الدفاع عن قناعاتهن وقضاياهن، وما زال يظن أن قناع النفاق الذي حملوه لسنوات مازال يقنع عامة الشعب”.

ومن جانبها، كتبت حنان رحاب، البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي، ردا على الريسوني “ما لا يريد الريسوني ومن يدور في فلكه فهمه هو أن الحرية كل لا يتجزأ ولا يقتطع ولا وجود فيها وفي مكوناتها للصالح والطالح.. فإما أن نؤمن بها كلها وإما فنحن ضدها، فلا يمكن أن نجزّئ الحرية حسب ما يتوافق مع ما نصبو إليه وما نريد إحقاقه، وإلا ستتحول هذه الحرية إلى مطية أو قنطرة لتحقيق المصالح الشخصية والأجندات السياسية المشبوهة”. وتابعت أن “ما صرّح به السيد الريسوني اليوم يجب أن يكون حافزا حقيقيا لكل القوى الحية في البلاد، المؤمنة بقيم الحرية والتحرر للتصدي لمثل هذه الأفكار المتطرفة والرجعية التي تتربص بالبلاد وبمستقبلها”.

أما الصحفي سامي المودني فردّ بأن “مقال أحمد الريسوني يعبّر عن صورة المرأة لديه ولدى قومه من الإسلاميين”، مؤكدا أن “تصريحه منحط ومليء بالكره تجاه النساء عموما والنساء الحداثيات خصوصا”.

وحتى نضعكم في سياق هذه الردود، إليكم النص الكامل للتدوينة التي.. “اللي جبدات النحل” عْلى الريسوني:

“نعم، أنا مع الحريات الفردية، ممارسةً ومناصرة.. فما لا يحصى من الحريات الفردية أمارسها وأناصرها.. ولـمَ لا وهي فطرةُ الله التي فطر الناسَ عليها؛ لقد فطرنا الله تعالى محبين للملذات، ميالين إلى الشهوات، حريصين على الممتلكات، متطلعين لفعل الخيرات والإحسان إلى المخلوقات.

ونحن أيضا مفطورون على حرية التفكير والتعبير، والتحسين والتقبيح، والتأييد والاعتراض.. {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} [الإسراء: 84].

وبفطرتنا أيضا نرغب في أن نرى ونسمع كل أشكال الإبداع والجمال وأن نستمتع بالسياحة والتجوال وأن نمارس ما يناسبنا من الأنشطة والأعمال ومن المخالطة والاتصال أو الابتعاد والانعزال، كل حسب أحواله وظروفه وذوقه ومزاجه.. وللناس في ما يعشقون مذاهبُ.

فمن خلال هذه النزعات، وفي كل هذه المجالات، تنبثق وتتفرع الحقوق والحريات الفردية بأوسع معانيها وتجلياتها.. فتجد الناس يأكلون ويشربون وقتما يحبون وحسب ما يشتهون. وهم يتناكحون ويتعاشرون في حياتهم الزوجية كما يتوافقون ويختارون الحرفة والعمل الذي يريدون ويستطيعون ويغيرون ذلك إذا بدا لهم. ومن حقهم وحريتهم أن يستقروا ويتنقلوا في المناطق والبلدان.. إلى نحو هذا مما لا يحصى من التصرفات والاختيارات.. جميع الحريات لها حدود وضوابط. الحريات والحقوق الفردية لجميع الناس لا بد أن تتزاحم وتتعارض، فيدافع كل واحد عن حقه وحريته وأحقيته وأولويته، فيقع بذلك التنازعُ والتصارع. ثم بعض النزعات والشهوات تغري وتجر إلى الإفراط والتعدي.

فلهذا وذاك، كان لا بد أن تخضع جميع الحريات والممارسات الفردية للقدر الضروري من الضبط والتقييد والترشيد، تماما كما في استعمالنا للسيارات ونحوها من المراكب والآليات. فصاحب السيارة يمتلكها بلا منازع، وقد اشتراها بماله وكده، ومع ذلك ليس له مطلق الحرية في استعمالها والتحرك بها. ذلك أن استعمالها بلا حدود ولا قيود يحمل مخاطر شتى على مستعملها نفسه، وعلى غيره من الناس، أفرادا ومجتمعا، في أرواحهم وأبدانهم وأموالهم وطمأنينتهم وحرية تحركهم. وها نحن نجد جميع ركاب السيارات والطائرات عبر العالم قد أصبحوا مجبرين على استعمال الحزام، مع أن عدم استعماله لا يضر بالآخرين أبدا.

أعداء الحريات الفردية، الحريات بصفة عامة والحريات الفردية بصفة خاصة، لها خصوم وأعداء، وهم على صنفين مختلفين: الصنف الأول: هم الذين يشوهونها ويُتَفهونها ويسيئون استخدامها.

 ومن ذلك فإنهم حصروا مسمى “الحريات الفردية” في بعض الممارسات الشاذة والأفعال الساقطة؛ كالزنا والشذوذ الجنسي والخيانة الزوجية، بمعنى أن حرياتهم الفردية وحملاتهم المسعورة لأجلها تنحصر في محرمات الفرج والدبر.. وبعضهم -حين يتوسعون- يضيفون إليها السكر العلني والإفطار الاستعراضي في نهار رمضان. ومع ذلك فإن همهم الأكبر وهاجسهم الأول يبقى هو محرمات الفرج والدبر، مع أن الجنس والحريات الجنسية أوسع وأمتع وأرقى وأسمى من هذا التحجير والتحقير. ولكنْ، مع لأسف، هكذا لقنوهم، وهكذا علموهم أن يقولوا ويهتفوا..

ولقد رأينا، مؤخرا، بعض النسوة الخاسرات يرفعن لافتات تُصرّح بأنهن يمارسن الجنس الحرام ويرتكبن الإجهاض الحرام. هكذا لقنوهنّ.. مع أن الظاهر من سوء حالهن أنهن لن يجدن إلى الجنس سبيلا، لا حلاله ولا حرامه..

لقد عميت بصائر هؤلاء عن طرق “الجنس المقدس” وجُن جنونهم وعلا صراخهم فقط لأجل “الجنس المدنس”. الجنس المقدس: حرية حقيقية مسؤولة ومتعة وسعادة وأمن واستقرار وحب ووفاء، وسكينة ومودة وتعاون وتكامل وصحة وسلامة وعافية وإنجاب وتربية وبناء وتنمية وأرحام تتراحم وروابط عائلية تتألف وتتآلف. وفوق هذا كله: رضى الله وجزاؤه.

 وأما الجنس المدنس، فهو متعة مختلسة وعشرة مريبة ومودة كاذبة وتربصٌ ومخادعة وأمراض متنقلة، ونهاية -في أغلب الأحيان- مأساوية: إما قتل أو انتحار، أو مرض فتاك.. وفوق هذا كله: سخط الله وعقابه {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70].

وهكذا يقال في سائر الحريات الحقيقية البناءة المنضبطة، وهي لا تعد ولا تحصى، مع نقائضها من بعض الممارسات المحرمة الهدامة. وهذه الممارسات اللامسؤولة إنما هي في عمقها تعبير عن فقدان القدرة على الممارسة المنضبطة للحرية الحقيقية. وإلا فأي حرية تبقى لمن يقوده مزاجه ويتحكم فيه هواه ويتبع كل مروج ومهيج من تجار الجنس والموبقات.

أما الصنف الثاني من أعداء الحريات الفردية فهم الذين يمنعونها بغير وجه حق.. فهناك دول تمنع الناس من التعبير عن أفكارهم ومواقفهم.. وكم في السجون ممن سجنوا لأجل مقال أو تغريدة أو جملة..

وفي المغرب وصل المنع والتضيق إلى الأطفال؛ فمُنعوا من حقهم في التخييم والاستجمام في العطلة الصيفية. ووصل الأمر بكثير من الدول، الغربية والعربية، إلى حد منع الناس ومعاقبتهم على آرائهم حتى في قضايا ووقائع تاريخية.. وكثير من الدول الغربية تعاقب من يدْعون إلى مقاطعة الاحتلال وبضائعه، وتعتبر ذلك معاداة للسامية، كما يفعلون مع حركة “BDS” مع أن المقاطعة وعدمها تبقى حرية شخصية.

ومن الحريات الفردية التي تمنعها وتحاربها دول كثيرة عبر العالم: حرية المرأة في لباسها الساتر، سواء كان حجابا أو نقابا أو لباسَ سباحة. وكل هذه الحقوق والحريات المهدورة لا يعرفها ولا يعترف بها مجانين الإباحية الجنسية، لكونها حقوقا في القمة، وهم يعيشون في القاع”..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *