عبد الرزاق بوتمزار

ح. 78

الـدّنيا حظـوظ..

 

انصرَم ما تبقى من أيام العطلة الصّيفية لنلتحق، مُجدّدا، بالرباط. شدّ كلّ واحد منا الرّحال من مدينته لتجمعَنا، من جديد، حُجرات الدرس في ملحقة كلية الآداب، قرب باب الحْدّ. رشدي وحده لم يحضر لاستئناف المشوار معنا؛ لقد رحل بعيدا، نحو حلمه الأمريكي، الذي أدركه، أخيرا، بفضل البطاقة الخضراء.

خلال السّنة الثانية من الإجازة التطبيقية كان كل واحد منا مُطالَبا بأنْ يُنجز تقريرا عن تدريب عليه، طبعا، أن يتدبّر أمره كي يحصل عليه في إحدى المؤسسات المُهتمّة بميدان النّشر والكتاب. كان هذا الهاجسَ الذي أرّق العديدين منا وأبعد عن جُفوننا راحةَ النّوم في العسل، التي اعْتدْنا خلال دراستنا الجامعية، في مرحلتها الأولى؛ وحتى خلال السّنة الأولى من الإجازة التطبيقية.

وخلافاً لِما كان عليه حالي، مثلاً، خلال دراسة الأدب العربي في جامعة القاضي عياض، أضحيتُ في سنتَي الإجازة التطبيقية، خُصوصا في سنتها الثانية، سنةِ التخرّج، مُطالَبا بالقيام بالعديد من المُبادَرات؛ وعلى رأسها مهمّة البحثُ عن مُؤسَّسة تَقبَل بي مُتدرّبا، ثمّ بعد ذلك تحرير تقرير مُفصَّل عن الأنشطة التي تُزاولها المُؤسسة وعن المهامّ التي أوكِلت إليَ خلال فترة وُجودي داخلها، والتي لا يجب أن تَقلّ عن شهرين.

ولأننا في المغرب، بلد المُجامَلات والفرْزيات والتحرّشات أيضا، فقد عايَنّا كيف تَكفّلَ رئيسُ الشّعبة بنفسه بإيجاد التّدريب المطلوب لبعض المحظوظات؛ أمّا نحن، معشرَ الخشِنين، فما علينا سوى تدبّر أمر تداريبنا بأنفسنا، خصوصا أننا لم نكن، في غالبيتنا، نعذر “المْسيُو”، رئيسَ الشّعبة، في شطحاته المُراهقة، المُتأخّرة كثيراً عن وقتها المُفترَض.. وفي ما يشبه ردّ الصاع لذكورتنا الرّافضة حالته المُستعصية على التشخيص، حصلتْ بعضُ الزّميلات على تداريبَ في مؤسسات معروفة ومرتاحة فقط لأنهنّ من فصيلة حواء، المُفضَّلة لدى هذا الصّنف من أساتذتنا غير الأجلاء، الذين لا تخلو منهم جامعاتنا ومدارسنا، المنخورة كبتاً وأمراضاً نفسية مُستفحِلة.

رغم كلّ الصّعوبات، استطاع كلّ واحد من فصيلة الذكور، غير المحبوبة لدى “المِستر”، الحصول على تدريب قبل الموعد الذي فرَضته علينا رئاسة الشّعبة لملء استمارات القبول بإجراء تدريب، التي كان علينا أن نأخذها إلى المؤسّسات التي قبلتنا قصد إمضائها من لدن مُديرها قبل تقديمها إلى رئاسة الشّعبة، حتى تضمن الأخيرة أننا لن نمضيَ الشّهرين في الشّارع ونأتيَها، في الأخير، بتقرير عن تدريب لم نُجْرِه في الأصل!

قبِلَ معظمُنا إجراء تلك التدريبات في مُؤسسات وشركات باهتة ومغمورة فقط حتى لا نعود إليه خائبين فينفخ أمامنا صدرَه وأوداجَه ويستعرض علينا فحولته المغشوشة ويقول، مُتشفياً: “انظروا إلى أنفسكم؛ ألا تخجلون أن تأتوا إليّ، بعد كلّ هذه المدة، لتقولوا لي إنّكم عَجزتم عن إيجاد مُؤسسة تَقبَل أن تمضوا فيها مجرّدَ شهرين من التدريب؟!”..

طرقتُ أبواب كثير من المُؤسّسات التي تنشط في ميدان الطباعة والنّشر، إلى أنْ رضيتْ إحداها، في الأخير، بقبولي متدرّبا. في قرارة نفسي، كنتُ أشمُت في رئيس الشّعبة، الذي تخلى عن الطلبة المُتميّزين في شعبته وانتصر لبعض الطالبات فقط لأنهنّ سليلات جنسٍ لطيف..

ما زال ينقصُنا الكثير، مع الأسف! إذا كانتْ كلّ هذه الأمراض في مدارسنا وجامعاتنا فالمجتمع، لا محالةَ، مريضٌ حدَّ الاستفحال والاستدامة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *