يعتبر شهر رمضان الفضيل وأجوائه الروحانية فرصة سانحة للحديث عن التصوف المغربي كنموذج للوسطية والاعتدال.

وقد ارتأينا، بهذه المناسبة الكريمة، أنه من المفيد التذكير بدور المملكة المغربية الشريفة في نشر قيم التعايش والتسامح والوسطية.

وفي هذا الاطار، نستحضر تجربة التصوف المغربي  الذي شكل نموذجا فريدا تم الاحتذاء به في مجموعة من دول المعمور، خاصة في افريقيا واسيا.

ان التصوف المغربي القائم على مبادئ السلام والمحبة، وقبول الآخر المختلف، قد وضع اللبنات الأساسية لمجتمع مسالم قائم على التعدد، يعيش أفراده حالة من الاطمئنان النفسي والسلام الروحي، وتسود فيه قيم الإنسانية الكونية  النبيلة  المتجاوزة لكل للحدود الجغرافية والثقافية.

فالحضور الصوفي كان دائما قويا في الزمان والمكان المغربييـن كما ونوعا، منذ إرهاصاته الأولى ابان فترة مولاي ادريس ابن عبدالله  إلى يومنا هذا في العهد الزاهر لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، حيث كان التصوف وما زال أساسا  في حياة وسلوك المغاربة، مشكلا بذلك ثابتا من ثوابت الأمة.

 ويمكن رصد محطاته الكبـرى، من خلال المدرستيـن القادرية والشاذلية، في انتظار تشكل الطريقة التجانية في القرن الثامن عشر الميلادي ثم الطريقة الأحمدية الإدريسية .

وفي هذا الاطار، تعتبر المملكة المغربية منارة لنشر قيم الاعتدال والتعايش والانفتاح على العالم بمختلف ثقافاته.

من هذا المنطلق نستحضر المناظرة العلمية التي نظمتها، في شهر فبراير الماضي، كلية الآداب  والعلوم الانسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط بشراكة مع كرسي الإمام أحمد ابن ادريس للدراسات الاسلامية  تحت عنوان “أي دور للقيم الصوفية للنهوض بحوار الثقافات“.

وقد شكل هذا اللقاء، الذي عرف مشاركة ثلة من الأساتذة المتخصصين والمفكرين  والمهتمين من المملكة المغربية ودولة ماليزيا،   مناسبة للتذكير  بدور التصوف المغربي في نشر قيم التسامح والتعايش  وتقوية العلاقات الروحية بين الشعوب، خاصة في قارتي افريقيا واسيا.

ففي مستهل كلمته، تطرق الدكتور مولاي أحمد البوكيلي، رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بجامعة محمد الخامس بالرباط، بإسهاب عن التصوف المغربي و أصوله، مذكرا بمضامينه ومقاصده وسياقاته التاريخية. كما اشار الأستاذ المحاضر إلى العلاقة العلمية والثقافية القوية والتواصل المستمر بين علماء المغرب وعلماء وساكنة الشرق الكبير الممتد من مصر إلى جنوب شرق آسيا.

مضيفا بأن هذه العلاقة المتينة ساهمت بشكل كبير في التعريف بالتراث الصوفي الغني وكذلك بالإشعاع الذي تميز به علماء المغرب المتصوفون منذ القدم.

فيما تناول الدكتور محمد صوفي إبراهيم، رئيس كلية الصفا الإسلامية بماليزيا، خلال عرضه المستفيض، مفهوم الإصلاح في الفكر الصوفي، باعتباره المشروع الذي تأسَّس عليه هذا الفكر، وذلك من خلال تزكية  الروح وخلق توازن مابين الديني والدنيوي، وإصلاح الفرد بناء على ذلك، وصولاً إلى إصلاح المجتمع المتسامح المسالم، الذي ينبذ العنف والتكفير والتطرُّف. وقد اعتمد الدكتور محمد صوفي ابراهيم  في دراسته على نموذج الإمام أحمد بن إدريس المغربي .

من جانبه أشاد الدكتور عبد الحانيس عنبور الأستاذ الباحث بجامعة ماليزيا ترينجانو بمتانة العلاقات الأخوية بين المغرب وماليزيا، داعيا بهذه المناسبة  إلى تجديد العلاقات الروحية بين البلدين.

وفي ختام هذه الندوة ، أشاد حسن عماري، الرئيس المؤسس للجمعية المغربية للتعاون والتعايش بين الشعوب بالقيمة العلمية والفكرية لمختلف المداخلات، وقد اكد، من خلال زياراته المتعددة، على الحضور الصوفي المغربي القوي في  ماليزيا واشعاعه الروحي المكرس لقيم التسامح والحوار بالحسنى بعيدا عن كل غلو وتعصب.

للاشارة، فقد تم توشيح صدر حسن عماري، سنة 2019، من طرف صاحب السمو الملكي التانكو محرز بن المرحوم التانكو منور، ملك نجري سامبيلان ماليزيا،  بأعلى وسام بدولة ماليزيا بالإضافة الى  منحه لقب ” داتو ” و هو أرفع درجة تمنح بماليزيا للشخصيات المرموقة، وذلك اعترافا للجهود التي يقوم بها في ربط أواصر المحبة والتعاون بين البلدين، ويحظى عماري  بتقدير خاص من طرف الطلبة الماليزيين المقيمين الذين يتابعون دراستهم في المغرب.

بقلم: إدريس اليعقوبي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *