توفي المستشار الملكي السابق، الدكتور عباس الجراري عميد الأدب المغربي، مخلفا وراءه تاريخا حافلا في العطاء الفكري والادبي.

 وفي ما يلي، كلمة كان سيلقيها الأستاذ المسرحي، عبد المجيد فنيش في حفل تكريم الراحل، بأكاديمية المملكة بمناسبة تصنيف الملحون كثرات إنساني لامادي…

عباس الجراري… الفرد الجامع، المتفرد المانع

هو الحلقة واسطة عقد الجسر الواصل بين ايام الموسوعيين، وبين زمن الناس هذا المصاب بغير يسير من تقتير وتقصير.

هو عباس الجراري، أيقونة الفسيفسائيين، في أبهى تناغم تحقق في زخرف امتزجت مواده في انصهار كيميائي كلما علت درجة حرارته، إلا وازداد وهجا.

عباس الجراري، القادم إلى دنيا الناس من رحم مقاعد مجالس العلوم والآداب، ومن سخاء الإيثار بفداء الأوطان بعزيز الروح والأبدان.

عباس الجراري، الذي هو في شؤون عقيدة الناس عمدة، وهو في   اجلاء الغمة وكشف الظلمة بين ثنايا امهات ردهات الآداب أسطع منارة، وقد كان ان اضحى بيته للناس مزارا، حيث عيون القراطيس في القبو البديع قد تجلت عمارة.

هو عباس الجراري، الذي فك طلاسم ديوان المغاربة تفكيكا، ثم مضى في دروب وعرة، يشيد للأدب المغربي -عالمه وشعبيه-   معمارا بوابته لامعة النضارة، انها الباكورة العذبة ” القصيدة- ابحاث في الزجل المغربي-“.’

عباس الجراري، الذي فتح مسالك العبور لعشرات العشرات من المسكونين في ذاك المعشوق الذي قيل عنه ” فرجته في كلامه”، فاغتنت الرفوف الشامخات بعشرات الأطاريح والأبحاث.

 هو عباس الجراري، الذي   اقتنع – مبكرا- ان ديواننا الملحوني   قد اجتمع فيه ما تفرق في غيره من كلوم الام مغربنا، وكذا من ثمرات طيبات لأزهى الايام.

هو عباس الجراري، الذي اقنع الناس إقناعا ان ملحوننا كيان حي. يتدفق بحيوية التجدد الذاتي المستجيب- في تفاعل مثالي- لما يتناغم مع نوازل الايام المنسابة.

عباس الجراري، الذي رسخ منحى المؤسس العلامة “محمد الفاسي” صاحب “المعلمة “، حيث اشر” العباس” على   المقام المتميز لملحوننا في رحاب افق   احتضنته ارقى معلمة للفكر والثقافة في البلد ، انها “اكاديمية المملكة المغربية “، التي مكنت “عباسنا”  من   جميل  المعابر المعبدة، فتم  بلوغ محطة  ” نزهة الخاطر بصدور الديوان الحادي عشر”،  تلك النزهة التي  ازدان بها بستان  الملحون ، ففاح عبير مرحلة ” الملحون الجامع لفرجتي  الكلام  والنغم”.

عباس الجراري، الذي جاب البلاد والأمصار في رحلة تجاوزت نصف القرن، تأبط طياتها عشرات إصدارته التي قاربت الملحون من زوايا مهما تعددت، فقد أقامت -بذاك التنوع -وحدة معرفية متماسكة.

عباس الجراري الذي زاوج بين المعرفة النقدية الشعرية، وقرض بديع الدواوين على مباني بحور الشعر العربي، وفيها وبها اعتلى سناء الرتب.

عباس الجراري الانسان الذي يفيض نبلا وتواضعا، وكلما تواضع إلا وإلى ما فوق الثريا قد ارتفع.

لكم سيدي عباس كل المحبة المشفوعة بالوفاء، واطيب واصدق شكر وامتنان من. محب يهيم هياما في محاسن قامتكم، وقد نال منه الوجد وجدا.

بقلم: عبد المجيد فنيش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *