دعا البابا فرنسيس الأحد من البندقية إلى “الاعتناء ببيتنا المشترك”، محذّرا من مخاطر السياحة المفرطة على البيئة خلال قدّاس حضره 10 آلاف شخص في ساحة سان ماركو.

وهي أوّل زيارة يقوم بها الحبر الأعظم منذ سبعة أشهر خارج روما بسبب وضعه الصحي الذي كان مدعاة للقلق خصوصا خلال الاحتفالات بعيد الفصح.

وبدا البابا الأرجنتيني بحال جيّدة، مع اعتماده برنامجا حافلا بدأه بزيارة سجن للنساء ثمّ خطاب ألقاه أمام شباب من البندقية قبل أن يتوجّه إلى ساحة سان ماركو بمواكبة مجموعة من مراكب الغوندولا بواسطة جسر مؤقت أنشئ خصّيصا له في القناة المائية الكبيرة.

وأشاد البابا فرنسيس بجمال البندقية “الساحر”، من دون أن يفوت الحبر الأعظم الذي جعل من الدفاع عن البيئة قضيّة أساسية في حبريته استعراض “المشاكل الكثيرة التي تهدّدها”، على غرار التغيّر المناخي و”هشاشة التراث الثقافي” والسياحة المفرطة.

وهو صرّح في عظته أن “البندقية هي (كيان) واحد مع المياه المحيطة بها، ومن دون صون هذه المنظومة الطبيعية وحمايتها، قد تختفي المدينة عن الوجود”.

ويتوافق هذا التصريح مع آخر المستجدّات في المدينة المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو والتي اعتمدت في الآونة الأخيرة رسوم دخول بقيمة 5 يوروهات في اليوم تفرض على السيّاح أعفي منها الحبر الأعظم بصفته ضيفا، لكن ينبغي على الزوّار غير المقيمين الآتين من أجله تسديدها.

وفي العام 2024، لن تسري هذه الرسوم سوى على 29 يوما من الأيّام التي تشهد إقبالا كثيفا للزوّار.

وأعطى البابا فرنسيس على عادته بركته للمؤمنين وهو على متن سيارته البابوية البيضاء الصغيرة.

وكان قد وصل إلى البندقية صباحا في مروحية حطّت في باحة سجن جزيرة جوديكّا الذي يضمّ الجناح الخاص بالفاتيكان في سياق الدورة الستين من بينالي الفنون المعاصرة في المدينة. وسلّم البابا فرنسيس على السجينات البالغ عددهن نحو ثمانين فردا فردا، فضلا عن الموظّفين الإداريين والعاملين في السجن والمتطوّعين.

ومن هذا الدير السابق الذي بات يؤوي نساء يقضين محكوميات طويلة، دعا البابا الذي يولي أهمية كبرى لمسائل المهمّشين وظروف السجن، إدارة السجون إلى توفير “أدوات وأماكن للنموّ الإنساني والروحي والثقافي والمهني”.

وهو صرّح أن “السجن واقع صعب وتولِّد فيه مشاكل مثل الاكتظاظ ونقص التجهيزات والموارد والحوادث العنيفة معاناة شديدة. لكنّه قد يتحوّل أيضا إلى موقع للنهضة… لا تُعزل فيه كرامة النساء والرجال”.

وقال بعد تلقّيه هديّة مؤلّفة من منتجات صنعتها السجينات يدويا “لا تستسلمن! تحلّين بالشجاعة وواصلن إلى الأمام”. وقد بدا التأثّر واضحا على كثيرات.

ويعدّ جناح الفاتيكان في بينالي الفنّ المعاصر من أبرز أجنحة هذه الفعالية العريقة وهو يقدّم لزوّاره تجربة انغماسية ومؤثّرة تتشابك فيها القطع مع الأسلاك الشائكة.

وأمام فنّانين شاركوا في المعرض ومسؤولين من الأوساط الثقافية التأموا في ما كان سابقا كنيسة الدير، شدّد البابا فرنسيس على دور الفنّ للتصدّي “للتمييز وكره الأجانب واللامساواة والاختلال البيئي”.

وصرّحت مايلا بيليتساتو، وهي سيّدة في الرابعة والستين من العمر حضرت إلى ساحة سان ماركو “للصلاة من أجل السلام في العالم قبل كلّ شيء” لوكالة فرانس برس “هي لحظة محورية لمدينتنا”.

وقبل القداس، ألقى البابا فرنسيس كلمة أمام 1500 شخص من الشباب احتشدوا قبالة كنيسة سانتا ماريا ديلا سالوتيه، قال لهم فيها “اتركوا هواتفكم المحمولة واذهبوا لملاقاة الناس!”.

وفرنسيس هو البابا الرابع الذي يزور البندقية بعد بولس السادس (1972) ويوحنا بولس الثاني (1985) وبنديكتوس السادس عشر (2011).

ولطالما كان تاريخ هذه المدينة المشار إليها بلقب “لا سيرينيسيما” على ارتباط بالكرسي الرسولي. ففي القرن العشرين، عيّن ثلاثة من بطاركتها رؤساء للكنيسة الكاثوليكية. وتعدّ أبرشية البندقية من أكبر الأبرشيات في إيطاليا مع 125 رعية.

ومن المرتقب أن يزور البابا مدينتين أخريين في الشمال الإيطالي هما فيرونا في مايو وترييستيه في يوليو، وذلك في مسعى منه إلى تهدئة المخاوف بشأن قدرته على الإيفاء بالتزاماته خصوصا بعد الوعكة الصحية التي تعرّض لها خلال الاحتفالات بعيد الفصح.

ولم يسافر البابا البالغ 87 عاما منذ رحلته إلى مرسيليا الفرنسية في سبتمبر 2023. وقد اضطر إلى إلغاء رحلة إلى دبي في ديسمبر بسبب التهاب رئوي وإلى الحدّ من التنقّلات بسبب وضعه العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *