تواصل السلطات  المختصة في الدار البيضاء، مسلسل هدم احياء عشوائية نبتت في تحت جنح “عين ميكا”، في محيط ضريح “سيدي عبد الرحمان مول المجمر”.

وكشفت عمليات الهدم، عن وجود شبكات متكاملة لدور الشعوذة، كانت تشكل ملاذا للباحثين عن طقوس تدخل في عوالم الغيب.

وعلق على عدد من رواء مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات ساخرة  على هدم بيوت “الشوفات”، دون ان يسبق في عملهن ان الجرافات ستأتي يوما على منازلهم.

وفي احدى تدوينات كتب احد الشباب “كون كانت الشوافة تشوف كون شافت الطراكس، قبل ما تهدم عليها البيت”.

وأعادت عمليات هدم كل الأبنية المحيطة بضريح “سيدي عبد الرحمان مول المجمر”، الحديث عن هذا المكان الذي يعرفه الكثير من الناس في الدار البيضاء والنواحي ويجهل المعرفة به أناس آخرين من خارج العاصمة الاقتصادية.

من خلال هذه الزيارة التنكرية لدور الشعوذة في المكان، نتعرف عن أسرار عتاه المشعوذين في محيط ضريح “سيدي عبد الرحمان”، وأشياء أخرى، وهي  أسرار لم يعد لها وجود مع هدم مجمل  تلك البيوت.

*خديجة الرويشي

على ربوة تشكل صخرة على البحر يقع ضريح “سيدي عبد الرحمان”، يختلط في حضرته مصطافو البحر بزواره ، قنطرة سهلت الولوج لذاك المكان هي ملتقى الرواد وعليها صادفنا “كناويا” يرتدي لباسا خاصا أخضر ويضع طربوشا له يناشين وبيديه “قرقابة” يطقطق بها داعيا للناس حتى يأخذ منهم صدقة على دعائه: “أنا أنتمي لزاوية عبد الله الحسيني الموجودة بمراكش و”ليلة جدي للجذبة” ستقام في الغد”، في اشارة لليوم الموالي لزيارتنا لـ”سيدي عبد الرحمان”، كانت أولى عبارته لنا، ثم صار يغرف من معين دعواته بالزواج والذرية الصالحة والحفظ والوقاية من شر الحساد والأعداء .

واقتحم اجتماعنا الثلاثي الأفراد شاب آخر من المجموعة اسمه رضوان معلما إيانا أنه لا يؤمن بالترهات التي يخدع بها الناس في ذاك المكان “خوك عندو الباك راه غير طرف الخبز صعيب وهو اللي خلانا نجيو لهنا” موضحا أنه فقط يسترزق بتلك الطريقة ليتمكن من جلب مستلزمات الحياة وتوفير لقمة العيش لأبنائه، “الجهل هو الذي يجعل الناس وخاصة النساء يأتين “للسيد” حاملين «عتروسا أسود اللون أو دجاجة حمراء أو سوداء اللون وشموعا بيضاء”.

هبات يهدينها للقائمين على أمر الضريح بهدف أن يتزوجن ويجدن ابن الحلال، و “السيد” يشغل دور الوسيط بينهن وبين الله

عند ولوج المكان “المبارك” في الباب تتوزع الحوانيت على جانبيه بها “ماء الزهر والشمع”، أخذنا علكة فإذا الثمن مضاعف هناك وفي المقدمة عربة للفشار ، تصادفك أبواب كثيرة لبيوت مصبوغة بالأبيض وأبوابها بطلاء أخضر، يتخذها زواره ملجأ للمبيت والتبرّك “بشخصية سيدي عبد الرحمان”، واللون الأخضر أيضا حاضر في القبب التي تعلوه.

سيدي عبد الرحمان

ضريح فوق الصخر

مكان رمته الصدفة العمياء في طريقنا أنا وصديقتي لما كنا نود التمتع بشاطئ البحر ومداعبة مياهه، إنه مكان يشبه قلعة سحرية في قصص الأطفال أو لعلها أقرب إلى قلعة هوجورتس في سلسلة هاري بوتر، من بعيد يبدو للرائي قبة مجنحة خضراء، حيث يعلو صخرة مرتفعة ترتطم بها أمواج البحر من كل الجهات ويتموقع جنون الدار البيضاء.

حيطان القلعة التي قاومت الموج الذي يلطمها من كل الجوانب تحت بياضها الناصع ترشح سنين التاريخ «عمارة الضريح تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي»، بيد أنه ليست هناك معلومات دقيقة عن هويته ماعدا ما اشتهر به على أنه «سيدي عبد الرحمن الجمار «، ولا تعرف ترجمة عن شخصيته كما يجهل تاريخ إقامة الضريح إذ حسب بعض المؤرخين، لا يوجد أثر له في تخطيط الخرائط القديمة للدار البيضاء، خاصة خرائط القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، ما يعني في نظرهم أن نشأته كانت خلال الفترة الاستعمارية، مرجحين فرضية تواجد قبر فوق الصخرة اشتهر مع بداية الاكتشافات الأثرية ما قبل التاريخية بذاك الموقع الذي عرف بمقالع سيدي عبد الرحمان .

وبالرغم من غموض أصله دأب الكثيرون على ارتياد «سيدي عبد الرحمان» مول المجمر ، ربما لموقعه الجغرافي المطل على البحر، أولما ترسخ لديهم من اعتقادات بأن له كرامات فيها شفاء وعلاج من كل الآفات.

الحاجة مقضية

ويقول المختصون إن زيارة الأضرحة والأولياء تتوزع حسب اختصاص كل ولي، أي ما هو معروف عن دفين كل ضريح، وفي ضوء ما يتمناه كل زائر، والمتداول أنه يتم التوسل لسيدي عبد الرحمان بغية المساعدة على الإنجاب وتجاوز حالات العقم والزواج بالنسبة للفتيات، وهناك فئة أخرى تبحث عن العلاج من “العكس” والمس أو تطلب التمتع بالصحة والعافية أو تترجى الدعم النفسي منه متيمنة ببركة الولي الصالح من خلال التمسح بجدران الضريح وقبره، وتقديم الشموع والجود بالمال على مسيريه وبعض المتسولين المتواجدين به.

كل هذا يتم في إطار البحث عن طرق روحانية للخروج من الاكتئاب والأزمات النفسية التي زادت من فظاعتها ضغوط الحياة وتنامي النزعة الفردانية مقابل انحسار مفهوم التكافل والتضامن كما كان عليه الحال قديما، إذ غدا كل يغني على ليلاه متمثلا مقولة “أنا والطوفان من بعدي”.

واش نضربلك كارطا؟

نسوة جالسات تبدو آثار إدمان التدخين بارزة على شفاههن وأسنانهن ، كاسيات عاريات “الأفخاذ عارية والصدور بارزة” رغم أنهن في مقام “السيد”! انبريت لسؤال واحدة منهن فأجابت “انت فالسيد ديال سيدي عبد الرحمن” فقلت “سيدي عبد الرحمن”! باستغراب أغضب النسوة الثلاث و لولا رحمة الرب وألطافه لانفجروا في وجهي. فاكتفوا بتبادل النظرات في سخط على كلامي وتمتمت أوسطهن “وأنت ماشي سيدك؟” فلم أحر جوابا، وعلى بعد خطوتين منهن لمحنا بابا آخر بطلاء أخضر وأمام بابه جلست امرأة مربوعة القد ترتدي جلبابا وتزين معصمها بأساور ذهبية اللون فخاطبتني قائلة “واش نضربلك كارطا ؟”. مكان يصرخ عاليا: كل المتناقضات تجدونها في حضرتي ، فقد تزاوج الحلال بالحرام ، بالبراءة بالانحراف

سرنا باتجاه الداخل وألفينا عن اليمين سقاية منزوعة الصنبور وبعدها في مكان مرتفع قليلا هناك زريبة لماعز أسود تشكل أيضا خم دجاج يتناوب عدده على اللونين الأسود والأحمر، وعن اليسار من حيث تنبعث روائح كريهة، أبصرنا بالأرض الملطخة بالدماء صخرة كبيرة متسخة ، وفي حفرة نحتتها الطبيعة دخان منبعث يبدو أنهم أحرقوا فيه بقايا ذبائحهم ، وفي النهاية حيث الصخور التي تفصل ذاك المكان الغريب عن البحر يقف أناس من مختلف الأعمار منهم من يصطاد ومن يراقب صخب الموج الغاضب الذي يمد أذرعه البيضاء التي يتمناها أن تمتد حتى تجرف ذاك القرف وتخفيه في جوفها . أو لعلي هكذا خلت الأمر.

وتعد ظاهرة بناء الأضرحة المشرفة مباشرة على البحر من الظواهر المنتشرة بالسواحل المغربية، و يغلب الظن أنها مرتبطة أساسا بوضع قدسية الأولياء الصالحين وكراماتهم في صد الغزو الأجنبي من جهة البحر والدفاع عن بلد المسلمين، ويرجح أن البدايات الأولى لهذه الظاهرة كانت في القرن السادس عشر الميلادي ، أي بتزامن مع الاستعمار البرتغالي والإسباني لمدن وثغور مغربية حتى أن الكناوي قال لنا إن قنديشة هي تحوير لـ”كونتيسة” وأنها أي “عيشة قنديشة” امرأة قاومت الاستعمار وخلال مقاومتها فقدت وصارت روحها المعذبة بهم حماية الناس تهيم في المكان!.

 طلبوا التسليم

عنصر النية هذا مفهوم تزيا الظلال الضبابية لما وجدت نسوة ثلاثا يحملن شموعا في أيديهن ، إحداهن تضع كفها على كتف فتاة في مقتبل العمر قد يذهب بنا التشابه الذي بينهما إلى افتراض علاقة بنوة تربطهما ، البنت في مقتبل العمر وذات حسن جذاب ترتدي لباسا متحررا ، حييتها وسألتها في إلحاح لماذا تأتي بالشموع إلى الضريح؟ فردت بعفوية تبين عن مدى تشبعها بما تقوله “طلبا للبركة، راه ربي لي كيعطي وما حنا غير تنديروا النية وكنضويو هاد المكان باش تضوا طريقنا”. لتسترسل “وكل واحد على قد نيتو حيت كلشي على النية”. جملة مليئة بالتناقضات ومفهوم النية فيها يتجلى هلاميا، يرتسم سرابا يصعب التمكن من القبض على تلوناته اللزجة.

عندما غادرنا الضريح، كان الكناوي حفيد الجد المبارك يدعو لي مرة أخرى متأكدا من إجابة دعواته باعتباره إنسانا مباركا تجري فيه دماء الشرفاء ، ولما عارضته بأننا نكون شرفاء بأعمالنا و أن الشرف ليس حكرا عليه رد غاضبا و متهما إياي بقلة “النية” وبالتكبر، فصارت نفسي تهجس بسؤال عميق : ترى ما “النية” في عرف هؤلاء؟ أهي الدجل والسحر؟ أم أنها شيء لم يستطع فكري فك طلسمه. وما التسليم ؟ أهو تغييب للعقل وركن له في سلة المهملات أم هو قبول وخضوع تام لكل الترهات من دون أدنى تمحيص لها؟.

* تقديم le12.ma-ربورتاج الاتحاد الاشتراكي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *