إعداد: إلياس زهدي

الحلقة الأخيرة (30)

الأمير والفقير

مارك توين (1835 -1910)

كان هناك ولد بسيط فقير جدا يدعي توم كانتي. كان هذا الولد يعيش في لندن مع أسرته في غرفة واحدة، ضيقة لا تكاد تتسع لهم. وكان والده لصا، لذلك تعلم توم، أيضا، السرقة، فقد كان مضطرا إلى ذلك لتوفير الطعام والشراب له ولأفراد أسرته. وكان هناك رجل حنون طيب يدعي أندرو، يعيش مع هذه الأسرة الفقيرة. وقد حرص هذا الرجل علي تعليم توم القراءةَ والكتابة منذ صغره. كما حاول، كثيرا، أن يزرع فيه القيم والمبادئ حتي يصير شابا خلوقا ومحترما.

وكان أندرو يقصّ علي توم، في كل ليلة، قبل نومه، حكايات الملوك والأمراء، إلى أن تعلّم توم وعرف كل شيء عن حياتهم، ما جعله يتمنى أن يصير أميرا مثلهم، يعيش حياة رغدة، في قصر فخم. وكان دائما يتجول حول القصر الملكي في لندن، متمنيا لو أمكنه دخوله والعيش فيه، ولو يوما واحدا.

وذات يوم، ضبطه أحد الجنود من حراس القصر هناك فشرع يضربه بعنف وقسوة، في وجهه وفي كامل جسده. كان الأمير في تلك اللحظة يجلس في شرفة غرفته فرأى ما حدث، فأسرع إلى الجندي وأمره بدعوة توم للدخول إلى القصر. وأبدى الأمير إدوارد اهتماما بسماع قصة حياة توم، التي أوصلته إلى هذا الوضع.

أخذ توم يحكي للأمير عن حياته وعن الصّعوبات التي تواجهه. والعجيب أن الأمير قال له:
-أتمنى لو يمكنني أن أفعل الاشياء التي تفعل!
لم يصدق توم أذنيه، فقال في نفسه “لماذا قد يرغب الأمير في أن يعيش حياة صبيّ فقير مثلي؟!”.. وعند ذاك خطرت ببال الأمير فكرة وهي أن يستبدل كل منهما مكان الآن وملابسه.. وهكذا يبقي توم في القصر وكأنه الأمير، بينما يذهب الأمير إلى منزل توم ويعيش كأنه الصبي الفقير. وهكذا، تبادلا ملابس بعضهما البعض.

وكان توم في غاية السعادة من هذه الفكرة، التي حققت كل أحلامه في لحظة.

في اليوم التالي، ذهب الأمير إلى مدرسة توم، وهناك أخذ يخبر الأطفال بأنه الأمير، لكنهم سخروا منه وقالوا له:
-إنك مجرد طفل مسكين فقير!
ثم قذفوه في النهر، فخرج إدوارد حزينا، يشعر بالأسى والهوان والوحدة.

عاد إدوارد إلى منزل توم وأخبر جون وأندرو بأنه الأمير، لكنّ أحدا منهما لم يصدقه. وهكذا استمر أندرو في هذه الحياة البائسة.

وذات يوم، أخذ أندرو يهدّد جون بأنه إن لم يكفّ عن السرقة فسيبلغ عنه، فأخذ أندرو يضرب جون بقوة وعنف حتى قتله. واضطر جون وإدوارد إلى الهروب، لكن إدوارد أراد أن يعود إلى حياته وقصره، وفجأة، جاءتهما أخبار تفيد بأن الملك قد فارق الحياة وأصبح إدوارد الآن ملكا، ولكنّ أحدا لم يصدّقه.

وهكذا عاش توم داخل القصر عدة أيام على أنه الملك. وجاء الوزراء والمستشارون يخبرونه بوجوب استعداده للتتويج الملكي. لكنّ توم لم يكن يريد كل هذا. كان خائفا من المسؤولية والضغط الذي كان عليه من كل مَن حوله، فكلّ ما كان يريد هو اللعب قرب النهر. وأخذ توم يقول في نفسه “ملابسي جميلة والطعام رائع، لكني أريد العودة إلى البيت. لا أريد أن أكون ملكا”.

هرب إدوارد من جون وذهب إلى القصر، وهناك أخذ يصرخ ويصيح بأنه هو الملك.وعندما لم يصدقه أحد، قال للجميع:

-يمكنني أن أثبت لكم صحة كلامي، فأنا أستطيع إخباركم أين ختمُ الملك. ستجدونه وراء المرآة، في غرفة نومي، حيث وضعتُه. وبالفعل، عندما بحث الحراس عن الختم وجدوه في المكان نفسه وتأكدوا من آنه الملك.

واستعاد كلا الولدين حياتيهما السابقتين.

توج إدوارد ملكا على المملكة، وكان ملكا عادلا، يساعد الفقراء والمحتاجين لأنه عاش حياتهم وعرف مدى معاناتهم وصعوبة أيامهم. وكان يدعو توم، دائما، إلى البقاء معه في القصر. وهكذا صار الولدان صديقين حميمين وعاشا في سعادة وهناء.

وبعدما تقدّم العمر بتوم، قرر كتابة يومياته، واختار لها عنوان “الأمير والفقير”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *