نبه رشيد لزرق، رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية إلى وجود قصور مزمن في مقاربة الدبلوماسية البرلمانية، معتبرا أن الأحزاب لم تصل بعد إلى الاجتهاد واتخاذ المبادرة، وأنها تقتصر على إعادة إنتاج الخطاب الدبلوماسي الرسمي، وفي ما يلي نص الحوار:

أجرى الحوار: ياسين قُطيب

كيف يمكن أن تساهم دبلوماسية الأحزاب في الدفاع عن المصالح المغربية في المنتديات البرلمانية القارية والدولية وخاصة بالبرلمان الأوروبي؟

إن الغاية من الدبلوماسية الموازية، هي تفعيل حكامة الديمقراطية التشاركية، ما يمكن من إتاحة الفرصة للفعاليات البرلمانية  للدفاع على مصالح الدولة في الخارج، على اعتبار أنها تملك هامشا أكبر ومواقفها تكون أكثر إثارة للاهتمام، وأكثر تواصلا سواء مع المواطنين أو نظرائهم في إطار مهام الترافع عن قضايا الأمة.

ووفقا لهذه المهمة فانه يتعين على الفاعل الحزبي أن يتجنب الأخطاء التي قد تؤثر سلبا على مصالح الوطن. بما في ذلك الممارسات المخلة بمقتضيات النزاهة المهنية والسياسية.

هناك من يقول بأن هناك ضعفا كبيرا في انخراط البرلمانيين المغاربة في مجال الدبلوماسية، هل تتفقون مع هذا الرأي ؟

إن الفعل الدبلوماسي الموازي، قد أظهر أن هناك عوائق كثيرة تعترض نجاعة الأداء، إذ لابد من الإشارة بأن هناك عوامل ذاتية و موضوعية أفرزتها طبيعة العمل الحزبي المغربي، بالنظر إلى أن الدبلوماسية الحزبية المغربية، تقتات فقط من الإنجازات الرسمية على مستوى الملفات الوطنية، أو تعيد إنتاجها، دون أن تتعدى ذلك إلى الاجتهاد واتخاذ المبادرة، وهو ما يجعلنا أمام حقيقة تكرست بالملموس، مفادها وجود قصور في المقاربة البرلمانية والحزبية على مسار الانتصار لقضايا الأمة.

بماذا يمكن تفسير هذا التهافت على السفر للمشاركة في منتديات وهيآت برلمانية دون تحقيق إنجازات؟

باتت السفريات والبعثات الدبلوماسية للخارج تحمل وجها خفيا ولها علاقة بالأطماع وتسويق الأبناء ونيل الامتيازات المالية، عوض أن تكون فرصة لتمثيل المغرب في الاجتماعات الدولية والدفاع عن مصالح العليا للوطن وامتحانا حقيقيا لإبراز قدرة البرلمان وسعيه للتغيير والمشاركة في التأثير على الصعيد القاري والإقليمي والدولي.

فممارسة العمل الدبلوماسي تنقصها الفعالية والنجاعة، في التصدي لتحركات الجهات المعادية للوحدة الترابية. وهذا راجع بالأساس، إلى أن الفعل الدبلوماسي الحزبي، عوض ان يأخذ شكل مهمة وطنية، يتم التعاطي معه على أنه مناسبة سياسوية لتثبيت مشروع التوريث الحزبي كما هو الحال داخل حزب الاتحاد الاشتراكي.

هل يمكن القول بأن هناك حيفا ضد الأحزاب في المجال الدبلوماسي، بالنظر إلى ضيق هامش التحرك وانفراد القطاع الحكومي للخارجية بكل الملفات ؟

إن ضعف الكفاءات داخل المنظومة الحزبية جعل ماهية الدبلوماسية الموازية، تختزل في ريع سفريات مجانية تتوزع بين منتخبي الأحزاب، وأبناء القيادة. دون اعتماد معايير الكفاءة ولا حتى التوفر على رصيد معرفي تتطلبه مهام الترافع لصالح قضايا الأمة. وهنا نذكر بأن الشبيبة الاتحادية سبق أن صوتت لصالح وجود انفصاليي البوليساريو خلال مؤتمر دولي عقد بتيرانا، قبل أن تضطر لتصحيح هذا الخطأ الدبلوماسي.

هل تعقدون أن غياب الإشعاع الخارجي للأحزاب ناتج عن ضعف ديمقراطيتها الداخلية؟

إن ترهل الدبلوماسية الموازية، ناجم عن ضعف الحكامة الحزبية، التي تفتقد للنخب المتمرسة، وتعمل بمنطق الترضيات في التعيين كرؤساء مجموعات الصداقة البرلمانية وأعضاء الوفود البرلمانية بتعيين من لا يتوفر على كفاءة. و قد ظهر ذلك جليا، في العديد من اللجان التي ترتبط بالدبلوماسية وتشتغل على ملفات حساسة تهم القضايا الوطنية.

كما أن بعض القيادات الحزبية، تسيء لصورة الديمقراطية المغربية الفتية. حينما تحاول التسويق لأبنائها، عبر الركوب الأرعن على إنجازات الدبلوماسية  الرسمية. وذلك بغاية حصول على مناصب، دون أن تكون لهم مواصفات الفعل الدبلوماسي المُرْبح. والذي يتطلب التوفر على قدرات جيدة في التفاوض، والترافع بصيغة أكاديمية بحتة، في حين أن التحديات وشراسة خصوم المغرب وقوة حضورهم في المحافل الدولية تفرض على الأحزاب اجتناب تصريف أجنداتها الشخصية تحت غطاء الدبلوماسية الموازية.

ماهي في نظركم أسباب عدم تجاوز أغلب الأحزاب المغربية عتبة الدكاكين الانتخابية؟

إن المنظومة الحزبية كشفت سلوكات سلطوية لدى قيادات مستعدة لتدمير كيانات ومؤسسات ديمقراطية، خدمة لطموحات فردية، ما أفرز اتساعا في دائرة غياب الثقة في الحكومة والمعارضة، فهناك تضارب داخلي بين أحزاب التحالف الحكومي رغم استفادتها من الريع الحكومي، إلا أن ذلك لم يخف التطاحنات بين الأحزاب، من جهة، وبين تيارات الحزب الواحد، من جهة أخرى، كما هو الحال بالنسبة إلى الاستقلال حيث يشتعل فتيل تقاتل تنظيمي بين النخبة الصحراوية و فلول حميد شباط التي تحالفت مع النخبة الفاسية.

أما الأصالة والمعاصرة فإن وصول عبد اللطيف وهبي إلى القيادة كان مؤشرا قويا على استمرار أزمة المنظومة الحزبية وتخلفها عن أداء وظائفها، التي تأخذ أشكالا أكثر خطورة وحساسية في المرحلة الدقيقة، التي تجتازها بلادنا.

لقد تابعنا أطوار المؤتمر الذي أفرز وهبي، والذي لم تشكل فيه الاختيارات السياسية في حد ذاتها موضوع مناقشة ولا تناول، فما بالك باختلاف أو صراع فكري وسياسي، فكل الشنآن كان حول ماهية المجموعة التي ستقود الحزب في اتجاهات مجهولة وغير معروفة، ويبدو جلياً أنها لا تشكل رهانا بالنسبة إلى “الباميين” غير ضمان الريع

ماذا عن دور المعارضة في هذا المجال؟

غابت الثقة في المعارضة، التي أخفقت حتى في امتحان التنسيق والتعاون في ما بينها، وهو ما يصعب من أي ضغط أو مسعى إلى تفعيل آليات الرقابة البرلمانية.

فكيف يمكن إقناع المغاربة بأنها قادرة على أن تكون البديل أو تقود مواجهة ما، إذ تقتصر فتوحات قيادات على ممارسة التسول السياسي الذي يتخذ من الوصول إلى الحكومة غاية لضمان الريع الحكومي ومحاولة تسويق الأتباع والأبناء، في ظل عجز ظاهر عن  تقديم رؤية بديلة متفق عليها، ما كرس غياب أحزاب كانت تلعب أدوارا مهمة في مجال الدبلوماسية، بما تملكته من قدرات تنظيمية على الأرض.

لكنها تخلفت على الركب جراء الاستمرار في السعي إلى تحقيق طموحات عائلية. ولم تتجاوز الأصوات المنتقدة عتبة ضجيج سيخبو في مواجهة خطاب شعبوي بامتياز، يضع كل الأصوات الغاضبة في خانة  المحرومين من الريع الحزبي.

في سطور

– أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية.

– رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية

– خبير دستوري ومتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية.

– مستشار سابق لدى وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني.

– حاصل على دكتوراه في القانون الدستوري والعلوم السياسية بمراكش.

المصدر: جريدة الصباح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *