في الصحراء، كانت ليلة مقمرة باردة من أواسط شهر فبراير 1957. وقد حصل نقاش في أولها بين الجنود وقادتهم حول خيارات سير المعركة المقبلين عليها. وقد وقفوا على أن أحلاها مر. لكنهم سيخوضون المعركة مهما كانت المخاطر، جهادا في سبيل الله وتلبية لأمر السلطان محمد الخامس.

*أعدها للنشر – أحمد حمدان

في هذه الحلقات المثيرة جدا، والتي أعدها مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، الناشط الصحراوي الحقوقي والسياسي المبعد من مخيمات تيندوف إلى موريتانيا، وتنشرها جريدة le12.ma يروي والده، المجاهد سلمة سيدي مولود، كيف التحق بأول كتيبة لجيش تحرير الجنوب، قطعت عمق الصحراء بهدف إسقاط القاعدة الجوية الفرنسية في مدينة “أطار” شمال موريتانيا…

كانت العملية بقيادة محمد بنحمو المسفيوي، قبل أن يخلفه علال لخميسي، ومعه عْلي المسفيوي نائبا له.

انضم إليهم سلمة سيدي مولود، وسار بهم، في فبراير 1957، دليلا عبر أودية الساقية الحمراء إلى ضواحي مدينة السمارة، ومنها سيكون الانطلاق نحو الهدف، في ظروف طبيعية وعرة، ما بين صحارى قاحلة، وجبال ومغارات وأحجار، وجِمال وبنادق ورشاشات…

في هذه الطريق، ستلاقي الكتيبة الأهوال، جنود فرنسيون ومجندون موريتانيون وطائرات وقنابلها الجحيمية، إنها “القيامة الآن” (Apocalypse Now)، مع فارق: أن المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا يرويها في فيلم، والمجاهد الصحراوي سلمة سيدي مولود يرويها في معركة حياة أو موت دارت رحاها على أرض الواقع…

 

الخطوات الأولى لجيش التحرير المغربي في الجنوب

 

“الليلة ليلة المبايعة مع الله. فتجهّزوا. من عجز في الطريق اقتلوه لا تتركوه حيا وراءكم. فالراجح أنه سيشي بكم إذا وقع في الأسر.

من عجز جمله احملوه معكم إن استطعتم. فلا يمكن أن تصبحوا دون “الكدية” (الجبل). إن لم تبلغوا الجبل هذه الليلة، انتهيتم، وقُضي عليكم”.

بهذه الكلمات، خاطب قائد كتيبة مقاومة مغربي جنوده البالغ عددهم 147 جنديا، وهم يتهيأون لعبور الحدود الإسبانية الفرنسية ما بين موريتانيا والصحراء، مع غروب شمس مثل هذا اليوم قبل 66 عاما.

كانت ليلة مقمرة باردة من أواسط شهر فبراير 1957. وقد حصل نقاش في أولها بين الجنود وقادتهم حول خيارات سير المعركة المقبلين عليها. وقد وقفوا على أن أحلاها مر. لكنهم سيخوضون المعركة مهما كانت المخاطر، جهادا في سبيل الله وتلبية لأمر السلطان محمد الخامس.

تلكم الكتيبة المقاومة تم تجميع نواتها الأولى من 30 نفرا من “الخميسات” في شمال المغرب، بقيادة محمد بنحمو المسفيوي. انطلقوا صوب الجنوب في شهر يونيو 1956 لتأسيس ما سيعرف لاحقا بجيش تحرير الجنوب.

عسكروا أولا في “كلميم” لمدة أربعة أشهر لترتيب الاحتياجات اللوجستية والفنية للحرب، التي سيخوضونها ضد المستعمرين الفرنسي والإسباني.

وفي مطلع شهر نوفمبر 1956، انطلق بنحمو ورفاقه صوب الصحراء، وقد أصبحوا في حدود الستين فردا.

انضم إليهم والدي: سلمة سيدي مولود، في منطقة “أبطيح”، وسار بهم دليلا عبر أودية الساقية الحمراء إلى ضواحي مدينة السمارة، حيث نُصبت خيام أول معسكر لجيش التحرير في الصحراء عند “الدويرة الحمراء” (25 كلم من السمارة التي كانت بها حامية إسبانية وقتها).

وفي اواخر شهر ديسمبر، انطلقت كتيبة بنحمو من ضواحي السمارة في اتجاه أقصى الجنوب، وقد تجاوز قوامها 120 نفرا، بعد أن انضم إليهم العشرات من أبناء الساقية الحمراء.

وفي ضواحي الداخلة، سينفصل عنها القائد بنحمو، ويعود إلى العاصمة. ويتولى القيادة بعده “علال لخميسي”، و”عْلي المسفيوي” نائبا له.

وبعد ليال من المسير، عسكرت الكتيبة عند جبل “درمان” قرب “أوسرد”. واستمر توافد المتطوعين عليها، للجهاد تحت راية السلطان سيدي محمد الخامس. وفي ظرف شهر وأيام تضاعف عددهم ليتجاوز 200 مجاهد.

في مطلع شهر فبراير من عام 1957، تم فرز 147 متطوعا منهم لخوض أول معركة ضد “النصارى” في شمال موريتانيا، غالبيتهم من أبناء الساقية الحمراء ووادي الذهب، ومعهم أربعة أدلاء من موريتانيا.

اخْتيرت القاعدة الجوية الفرنسية في مدينة “أطار” شمال موريتانيا لتكون بداية انطلاق العمل الجهادي المسلح ضد الفرنسيين.

تبعد مدينة “أطار” عن معسكر “درمان” بما يزيد على 500 كلم في عمق صحراء خالية، على الكتيبة أن تقطعها دون أن يُكتشف أمرها.

وذات مساء من أيام غرة شهر فبراير عام 1957، قام جنود أول كتيبة مجاهدة من جيش التحرير تنطلق من الصحراء بشدّ رواحلهم على الجمال، واستعانوا بالله، وانطلقوا في مهمة محفوفة بالمخاطر، سيتوغلون خلالها في عمق أراض يسيطر عليها عدو يمتلك الطائرات والمدرعات والسيارات والمدافع والأسلحة الرشاشة، وليس مع كتيبة المجاهدين غير لطف الله وما تحمله ظهور جمالهم وأسلحة تكرارية.

وفي مثل هذه الليلة: 13 فبراير 1957، كانوا يستعدون لعبور خط الحدود بين المستعمرتين وملاقاة عدوهم.

… ولحكايتهم كما يرويها والدي، بقية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليقات
  1. اسيدس سلمى ولد سيدي مولود ….الله يحفظك !.لقدكنت مع والدك وشيوخ صحراويين ءاخرين في الطريق يراسنا الكولونيل محمد بنحموالمسفيوي ءايت سعيد من قبيلة ءايت اورير قرب مراكش رحمه الله ، بموافقة المرحوم محمد الخامس الدي أعطانا في الرباط رزمة من المال لنتعيشوا بها ، فكنت انا هو الحيسوني خروجا من اكادير…
    واعلم ياأخي.لقد دهبت مع بنحمو لانه كان مرافقي سابقا في تطوان وفي جيش التحريرالمغربي يرأسه ءانداك السي عبد القادر ابوزار….فعندي ما نحكي لك ! وهدا هو هاتفي : 0662772875….عبد الرحيم الورديغي….عمري الان 86 سنة…