لعل إعادة هيكلة الهيئات المسؤولة عن جذب الاستثمارات الأجنبية لمصر من الموضوعات التي لم يتطرق إليها الحوار العام الدائر حالياً حول الإصلاح الاقتصادي في البلاد.

وعلى الرغم من الجهود الجادة التي تبذلها الحكومة المصرية مؤخراً في التسويق الخارجي، إلا أن تلك الجهود ما زالت تفتقد لأداء مؤسسي متكامل قادر على تلبية طموح المستثمرين (والدولة) في بيئة أعمال جاذبة للاستثمار.

وفي هذا المقال، أتطرق لتجربة المملكة المغربية في إنشاء وزارة للاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، والتي، في رأيي، تلقي الضوء على الاختصاصات المؤسسية المفقودة داخل منظومة دعم الاستثمار المصرية.

ودعونا نبدأ بالمرسوم الحكومي الصادر في الجريدة الرسمية المغربية، يوم 9 فبراير 2022، والذي حدد اختصاصات وتنظيم وزارة الاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية.

وقد أناط المرسوم بالوزارة إعداد الاستراتيجية الوطنية لتنمية الاستثماري ودعمه وتشجيعه، والعمل على متابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية وتقييمها، مع المساهمة في تطبيق رؤية واعية للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالاستثمار، ووضع برنامج عمل حكومي لتحسين مناخ الأعمال ومتابعة تنفيذه.

ومما سبق، ندرك أن من أبرز الاختصاصات التي نفتقدها في مصر، والموكلة للوزارة المغربية، هي المهام المتعلقة بمتابعة تنفيذ السياسات العامة وتقييمها، للتحقق من فعاليتها وتناغمها، والعمل على تحقيق الانسجام بين السياسات العامة والسياسات القطاعية. ع

هد أيضاً للوزارة المغربية، مهمة وضع نظام للإنذار المبكر في مجالات الاستثماري، وبرامج للتعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتشاور مع مختلف الأطراف الفاعلة فيما يتعلق بالأطر التشريعية والتنظيمية، والمشاركة في اجتماعات المؤسسات والمنظمات الدولية المتخصصة في الاستثماري وريادة الأعمال.

من ناحية أخرى، يكتسب اختيار محسن الجزولي وزيراً منتدباً لدى رئيس الحكومة وتكليفه بالإشراف على الاستثماري والتقائية وتقييم السياسات العمومية في أكتوبر 2021، دلالة واضحة، خاصة بعد تجربته الوزارية السابقة التي تولى خلالها حقيبة الشؤون الإفريقية.

مقال الدكتور محرم كما نشر في صحيفة المال المصرية

وتؤكد هذه الدلالة على رؤية الدولة المغربية في انتقاء قيادات حكومية شابة قادرة على التفاعل محلياً وإقليمياً ودولياً، ومواكبة المتغيرات التي تحيط بالمنطقة والعالم.

وعلى المستوى الأكاديمي، تخرج محسن الجزولي من جامعة (Paris-IX Dauphine) الفرنسية، كما سبق له الحصول على درجة الماجستير في “هندسة دعم القرار”، وماجستير “علوم الحاسوب التطبيقية في إدارة الأعمال” من جامعة (Paris XI Orsay، وهو ما مكَّنه بعد ذلك من الانطلاق في عالم الاستشارات وإدارة الشركات في كل من أوروبا والمغرب.

وخلال هذه الفترة، تمكن الجزولي من صقل تجربته وخبراته العملية في عدد من المكاتب الإستشارية المرموقة، خاصة مكتب (Ernst&Young)، كما أسس مكتب (Valyans) للإستشارات، والذي يعتبر أول مكتب استشاري في المغرب، والذي تحول فيما بعد لمؤسسة معتمدة في دعم المؤسسات في الإستراتيجيات والإستشارات والتفعيل.

الجزولي عضو كذلك في مركز الأبحاث CDS – Conseil pour le Développement et la Solidarité– المكلف بإعداد الدراسات والمقترحات في مجال السياسات العامة والإقتصاد في المملكة المغربية.                              

عكست اختصاصات وزارة محسن الجازولي، بالفعل، رؤية متكاملة وعصرية لدعم منظومة الإستثمار المغربية. وتعتمد تلك الرؤية، في جوهرها، على ارتباط تهيئة مناخ استثماري مواتٍ بممارسات مؤسسية قادرة على إحداث نقله نوعية في منظومة صنع السياسات العامة من حيث الجودة والتناغم والتفاعل (المجتمعي والخارجي).

وأختتم مقالي بنصيحة للحكومة المصرية تتلخص في الآتي: “السياسات أولاً…ثم بعد ذلك يأتي التسويق”.

بقلم: مصطفى محرم، خبير السياسات العامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *