حميد زايد: كاتب مغربي ساخر

 

رحم الله العقيد معمر القذافي، قائد ثورة الفاتح، وذخر الأمة الذي لن يجود الزمان بمثله.
أتذكره الآن وفي قلبي غصة، بعد أن قتله حلف الناتو غيلة وطعنه الليبيون طعنة الغدر، فلو كان معنا الآن، لما تطاول أحد على العربية الفصحى، ولما امتلك نور الدين عيوش جرأة الدفاع عن الدارجة.
كان فارس العروبة، قبل سنوات من الآن، في جولة أخذته إلى بعض الدولة الإفريقية، مثل النيجر ومالي، فاكتشف أن الناس في تلك البلاد ورغم إسلامهم يرطنون بالفرنسية وبلغاتهم المحلية، فحذرهم العقيد في الحين وخطب فيهم خطبته الشهيرة والتي قال فيها إن الله لا يفهم الفرنسية، ولن تجدوا من يتحدث إليكم في الآخرة إن لم تتكلموا العربية الفصحى.
لقد مر زمن على هذا التحذير، الذي يدل على فراسة زعيم عربي تكالب عليه الإخوة قبل الأعداء، وعلى قناعة راسخة كانت لدى العقيد معمر القذافي بأنه لا يصح إلا الصحيح وأن اللغات كلها ستعود في النهاية إلى العربية الفصحى التي علمها الله لسيدنا آدم.
وكما لا يفهم الله سبحانه وتعالى الفرنسية ولا يمكن للناطقين بها التواصل بها في الجنة وجهنم حسب العقيد، فإنه يستحيل أيضا على المغاربة بنفس المنطق دخول الآخرة، مادامت لغتها الرسمية هي الفصحى، ولن يجدوا أحدا هناك يتحدث الدارجة ولا الأمازيغية ولا أي لغة أخرى.
لم يكن الزعيم الليبي يخرف، بل استند في ذلك إلى أدلة ومعطيات من التاريخ تؤكد أن سيدنا آدم هو أول من تكلم باللغة العربية ونظم بها شعرا موزونا ومقفى، كما جاء في أكثر من مرجع.
لقد تآمر الغرب وبعض العرب على القذافي لأنه كان يحمل رسالة سيدنا آدم ويحفظ أول قصيدة نطق بها والتي تقول: تغيرت البلاد ومن عليها/ فوجه الأرض مغبر قبيح. تغير كل ذي طعم ولون/ وقل بشاشة الوجه المليح. أرى طول الحياة علي غما/ وهل أنا من حياتي مستريح. ومالي لا أجود بسكب دمع/ وهابيل تضمنه الضريح. قتل قابيل هابيلا أخاه/ فوا حزناه فقد المليح.
طبعا، هناك من يشك في هذا الكلام ولا يصدق القصيدة ولا كلام القذافي ولا يصدق أن آدم كان يتكلم الفصحى، وينسى أن الله سبحانه وتعالى علمه الأسماء كلها، فتعرف على الدواب والهوام والقصعة، وقيل إنه تعلم حتى اسم الفسوة، وبالعربية الفصحى، وكان كلما شم رائحة كريهة يقول هذه فسوة، والله أعلم.
أشد ما كان يكره العقيد القذافي هو نمرود المذكور في كتب الدين والذي يطلق عليه المؤرخون والرواة المسلمون اسم الضحاك، إذ يعتبره زعيم ليبيا الخالد أصل كل الهوان والتراجع الذي أصاب العربية الفصحى، حين بنى برج بابل وفكر في الصعود من خلاله إلى السماء، فأغضب بذلك الله، وبلبل لغتنا، التي كانت في الأصل لغة واحدة، وصارت ثلاثا وسبعين، وبسبب تجبر نمرود هذا ظهرت الفرنسية والإنجليزية والصينية والروسية والدارجة وتراجعت العربية وفقدت مكانتها وأصبحت مسخرة بين الألسن.
لم يفهم العالم يوما حكمة العقيد ولذلك قتلوه، كان بالنسبة إليهم بمثابة لغز، وكنا نحن السذج نسخر من الخيمة التي يأخذها معه أينما حل وارتحل، وينصبها في الشانزليزيه وفي موسكو وفي كل عاصمة يزورها، والحال أنه كان يتطير من الفنادق والبنايات العالية والصروح، لأنها تذكره بذلك البرج وبنمرود لعنه الله، الذي أتلف العربية وخربها، قبل أن يظهر دعاة التدريس بالدارجة.
كان يحب أن يبقى متواضعا، ملتصقا بالأرض والتراب، ورغم ذلك اغتالوه.
فليرحمك الله أيها القائد العظيم.
ولترقد روحك بسلام.
فكم كنت محقا ومتنبئا بما يعيشه المغاربة هذه الأيام.

………….

موقف القذافي المضحكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *