#ادريس الكنبوري مفكر مغربي

 

إحداث مادة للتربية الجنسية في التعليم بالمغرب مطلب معقول ومقبول، لا شك في هذا. ولكن، الذين يطلبون بهذا المطلب ثلاثة أصناف: جمعويون وهذا أمر مستساغ بالنسبة إليهم. وسياسيون، وهؤلاء يريدون أن لا تفوتهم فرصة تسجيل حضورهم. و(…)، و هؤلاء يوجدون في كل معركة يعتقدون أنها معركة ضد المحافظة والتقليد والخرافة والإسلام التقليدي والفقه الجامد الميت المحنط البائس الفقير.
وعندما أريد أن أسمع صوت رجل عاقل يضع الوطن قبل النزعة الذاتية والمجتمع قبل الإيديولوجيا، لا أجد.
جيد،
المشكلة أن هؤلاء يبررون مطلب التربية الجنسية بالاغتصابات التي تحصل في المغرب. جميل،

لماذا لا أقول يجب تطبيق القانون، وأنهي القضية من الأساس؟ لأن قولي هذا سيمنعني من الخوض في المياه التي أريد الخوض فيها، ولأنه يتعارض مع أهدافي الحقيقية.
طيب،

لدينا سرقة المال العام. لماذا لا ندخل مادة للتربية حول المال العام؟.
لدينا ظاهرة الغش في كل مجال،  لماذا لا نحدث مادة عنوانها”الرائد في محاربة الغش الفاسد”؟.
ما معنى التربية الجنسية؟

معناها تلقين المتعلم الأعضاء الجنسية لدى الرجل والمرأة والتعامل معها بشكل طبيعي دون عقد، وأن ندرس طريقة الممارسة الجنسية الطبيعية باعتبارها واحدة من السلوكات الطبيعية المدنية.

طيب،

ماذا بعد الفصل الدراسي عندما أخرج من الدرس ولا أجد فرصة لتطبيق ما تعلمته؟.

أنا تلميذ مراهق، لدي مطالب غريزية طبيعية وعادية، والدرس الذي أتلقاه كل أسبوع يحيي في نفسي تلك الغرائز، ماذا أفعل لها؟.
هناك إجابتان: الأولى أن نفتح العلاقات بين الجنسين على مصراعيها، والثانية أن يتزايد الاغتصاب.
هل المجتمع المغربي اليوم مؤهل للتكيف مع الإجابة الأولى، وهل الدولة قادرة على التسامح مع الثانية؟.
ثم ألا نخشى أن تؤدي مادة التربية الجنسية إلى عكس المراد منها؟. إذ بدل أن تقود إلى الانضباط الفردي تؤدي إلى التسيب؟.
لنأخذ مثالا واضحا: التربية الوطنية.
منذ السبعينات والمغرب يدرس مادة التربية الوطنية في التعليم في مختلف أسلاكه، ولكن المسؤولين الذين يشكو منهم المواطن، والطبقة السياسية التي اشتكى منها الملك نفسه، والمدراء الذين يظل إدريس جطو في المجلس الأعلى للحسابات يُحصي سرقاتهم الموصوفة وغير الموصوفة، هم من كانوا يجلسون على المقاعد وأمامهم السبورة ويدرسون مادة التربية الوطنية ويجتازون فيها الاختبارات.
لم تنشئ التربية الوطنية مواطنا مسؤولا، ولم تؤد إلى ترسيخ قيم وطنية.
وقل نفس الأمر عن مادة التربية الإسلامية،

المسؤول الذي يسرق المال العام والمصلي الذي يسرق الأحذية من المساجد درسا معا نفس المادتين مدة تتجاوز عشر سنوات.
فإذن المواد في المدرسة ليست هي التي تربي، بل يربي القانون، عندما لا يكون لديك قانون يحترمه الكبار وتسهر الدولة على تنفيذه في وجه الجميع وتدفع الموطن إلى احترامه واحترامها، لا ينفع أن تخلق عشرين مادة في التعليم.
هذا إن كنا فعلا نريد خدمة بلدنا ونفكر لأنفسنا، أما إن كان الأمر ترضية لأطراف دولية ومؤسسات شغلها الشاغل هو هذا ـ كما هو معروف ـ فالموضوع موضوع آخر.
لا يفهم من كلامي أنني ضد هذه المادة. غير صحيح. أنا معها ومع جميع المواد الأخرى، لكن يجب أولا وضع الشروط الموضوعية لذلك.

ومشكلتنا في بلدنا أن الشروط غير متوفرة لأي شيء تماما، إلا إذا أعدنا البناء من الأول، وأسسنا لتعليم وطني حقيقي لديه محيط مجتمعي وسياسي متوافق معه تماما. أقول المحيط.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *