يتحدث رشيد لبكر، الخبير في مجال التعمير والإسكان، في الحوار التالي، عن أهمية الحوار الوطني حول التعمير  والإسكان.

ويؤكد أن الحوار  ينبغي أن يضفي إلى نتائج حتى لا يظل بلا افق..

حوار:  جمال  بورفيسي

ما رأيكم في اطلاق الحوار الوطني حول التعمير والإسكان وما مدى أهميته وهل هناك حاجة إليه؟

طبعا، فمن حيث المبدأ، أعتقد أن الحوار شيء مطلوب ومحمود، وهو أحد تمظهرات الديموقراطية.

وبالحوار يمكن توسيع دائرة النقاش لتعميق الفهم في الإشكالات المطروحة واستلهام الحلول الناجعة لها.

نعم، أنا مؤمن بالحوار، اذا قام علي احترام الذكاء الجماعي وتأسس على الإشراك والمشاركة ونبذ التهميش والإقصاء، وكان له أفقا محددا وحدد غايات يسعى إلى تحقيقها.

فالحوار بلا افق، مجرد هدر للزمن وللطاقات، وقيمته مرهونة بالنتائج التي يفضي إليها.

لذا ينبغي لنا إذن، أن نكون متفقين على هذا المبدأ.

لكن الملاحظ، ان إشكاليات التعمير او إعداد التراب بشكل عام- على اعتبار أن هذا جزء من ذاك-، عرفت خلال العشرين سنة الفارطة تناسل حوارات وطنية متعددة، امتدت لشهور.

 و لامس النقاش بشأنها، كل القطاعات والمجالات الترابية المعنية.

وكانت الغاية، وضع إطار قانوني جديد للتعمير بدل القوانين السائدة حاليا.

أقصد قانون 12.90 الصادر بتنفيذه ظهير 17 يونيو 1992، ثم قانون 25.90  الصادر بتنفيذه ظهير 17 يونيو 1992 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم الاراضي العقارية، ثم ظهير08 يوليوز 1960 المتعلق  بتوسيع نطاق العمارات العقارية (قانون 1.60.063).

لذا فقد كان الهدف منها، ( أي من هذه الحوارات)، إصدار مدونة تعميرية شاملة لكل القوانين والمتعلقة بالتعمير وفق رؤية متكاملة ومنسجمة، وايضا مستجيبة للمتطلبات المستجدة للتنمية الترابية والعمرانية.

ولكنها مع الاسف، لم تصل إلى تحقيق الغايات المأمولة منها، باستثناء بعض القوانين الفرعية ومنها المرسوم رقم 2.13.424 الصادر في(24 ماي 2013) بالموافقة على ضابط البناء العام والمحدد لشكل وشروط تسليم الرخص والوثائق المقررة بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات .

أي بموجب القوانين التاسيسية والمرجعية التي سبقت الإشارة اليها، والتي لم يتم الوصول إلى صيغة توافقية لتغييرها لحد الساعة.

رغم أنها كانت الهدف من كل الحوارات التي سبقت الدعوة إليها، ومنها تلك التي وصلت إلى مراحل متقدمة جدا إبان عهد حكومة التناوب.

وهي الحكومة التي كانت قد طرحت، بعد حوار مماثل لهذا الجاري اليوم، مسودة متكاملة لمدونة تعميرية جديدة، أطلق عليها مشروع تأهيل العمران، إلى جانب قانون إعداد التراب.

لكن هذين المشروعين، ومع الأسف، لم يعد يتكلم عنهما احد.

ثم هناك الحوار حول المدينة في عهد نبيل بنعبد الله والذي كانت من غاياته هو الآخر،  وضع تصور جديد، لمراجعة القوانين المؤطرة للتعمير ولكنه لم يفض إلي النتائج المرجوة.

إذن وحتى لا ندخل في التفاصيل، نقول، بان الغاية من الحوار اليوم، يجب أن لا تكون هو الحوار نفسه وانتهى الأمر، لأن بلادنا، راكمت ما يكفي من حوارات.

واصبح، الجميع ملما بالاشكالات التي يطرحها التعمير، لاسيما في الشق المتعلق  بالرخص وبتسليمها وَبمن يتولى ذلك، وكيف تتم مراقبة عمليات البناء والجزاءات المقررة، وكيف يخطط للمجالات الجديدة المفتوحة علي التعمير وغيره.

المطلوب من هذا الحوار، الأن، هو أن تنجح مخرجاته في الوصول إلى النتائج التي فشلت في تحقيقها غيرها من َ الحوارات السابقة..

هل يمكن أن يسهم الحوار في معالجة اختلالات التعمير؟

طبعا الحوار البناء والموضوعي والصريح و المتعدد الاطراف سبيل لتجاوز إشكالات التعمير.

لكن شريطة ان يكون الحوار نابعا َمن غيرة وطنية صادقة علي المجالات الترابية، ومؤسسا علي رغبة حقيقية في تأهيلها وتنميتها بما يخدم المصلحة العامة وليست المصالح الخاصة للأفراد.

المشكل الذي يعاني منه التعمير، هو تلك النظرة المصلحية التي تتجاذبها الأطراف المنتفعة، والتي تراه دائما، بمنظور الكعكة التي لابد لأي طرف أن ينال حظها منها.

لا ننكر ان قصايا العقار بشكل عام، هي السبيل الأضمن والأسرع لتحقيق الثروة ومراكمة المنافع، لذلك، فإن التوافق بشأنها يكون صعبا وشاقا.

اذ لا يمكنك التكهن بما تضمره النيات عند الحوار، ولا النوازع التي تتحكم في الاطراف المعنية بالنقاش -ولو ان التعمير في الحقيقة قضية تهم الجميع-، هذا هو الإشكال.

لكن الشيء المؤسف حقا و الذي يجب الوعي به، هو أن التخطيط للمجال الترابي، وفي شقه التعميري على وجه الخصوص، ترتهن به جودة عيشنا وجودة الفضاء الذي نحيا فيه اليوم وسنتركه لأبنائنا غذا.

لذا فهو على غاية من الأهمية  والخطورة.

و لذا أكررها، نعم للحوار مرة أخرى، فهو الطريق الأنجع لحل مشاكل التعمير، حوار يكون ذو بعد أفقي،  يشمل كل المتدخلين في هذا القطاع بدون استثناء.

و ذو بعد عمودي، يضم جميع المستويات الترابية ومستويات المسؤولية.

كذلك، طبعا من حق اي طرف الدفاع عن مصلحته و عن مصلحة الجهة التي يمثلها.

لكن يفترض، ان الحكومة، هي  الجهة، التي تدافع عن الصالح العام وترعى المشترك بين الجميع.. هذه هي الرسالة.

ما هي تصوراتكم للنهوض بالتعمير والإسكان؟

ببساطة، التعمير، كما اتصوره، هو التدبير العمومي او السياسة الحكومية -أو سميه ما شئت- الذي يضمن لي العيش في فضاء ترابي يحترم إنسانيتي، يقدر حاجتي، يرعى المشترك بيني وبين غيري.

ويضمن حقي في الاستفادة من كل الخدمات.

اما السكن، فلا قيمة له عندي، اذا لم يكن متاحا أمامي، يضمن كرامتي ويصون عرضي ويفتح لي المجال للتمتع بحقي في الحياة..

هذا  الذي نريده ونحلم به، وهو في نظري، ابسط ما يمكن للدولة ان تضمنه لمواطنيها من حقوق.

وما دامت الحكومة، تدعو اليوم الي الحوار من جديد في قضية التعمير، فذاك يعني لي أولا، أن هناك وعي بقيمة الحوار وموَمنون بذكائنا الجماعي ومقتنعون باننا قادرون علي تغيير منظومتنا العمرانية لكي نسمو بها إلى أفق  تحترم فيه كينونتنا.

هذا شيء مهم، فالتراب الوطني إرث مشترك وملك عام وليس “همزة ريع“.

لذلك، أرجو، أن يكون هذا الحوار بداية مصالحة واقعية، مع عمراننا، وكما قلت أعيد، بإمكاننا الوصول لذلك، اذا تكللت جهود هذا الحوار،  بإرادة سياسية حقيقية مستعدة للتعامل مع قضايا التعمير بجرأة  وشجاعة.

رشيد لبكر: أستاذ القانون العام، كلية الحقوق، جامعة شعيب الدكالي بالجديدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *