عزيز اجهبلي

الأعمال الإبداعية التي تحولت إلى إنتاجات سينمائية أو مسلسلات تلفزية كثيرة جدا، والأمثلة على ذلك بالعشرات إن لم نقل المئات، منها على سبيل الذكر لا الحصر، رواية “أسم الوردة” للكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو، “الطاعون” للروائي الفرنسي ألبير كامو، “الحرب في بر مصر” للكاتب المصري يوسف القعيد، والعديد من كتابات المبدع المصري توفيق الحكيم عرفت هي الأخرى هذا التحول من الكتاب إلى الفيلم. أعمال خالدة أرخت للعديد من المجتمعات، سواء في أمريكا الشمالية كالسلسلة الاجتماعية والتاريخية الأمريكية “المنزل الصغير”، أو السلسلة الأمريكية  “كولورادو” كذلك. وقد يكون بالإمكان أن تتحول كل الروايات العالمية خاصة الروايات الخالدة ك”الأم” للكاتب الروسي ماكسيم غوركي أو كتابات الكلومبي/المكسيكي غابرييل غارسيا ماركيز، وغيرهما وأن تتجسد في أشرطة سينمائية قد يكتب لها النجاح إلى أبعد الحدود.

 طبول الحرب أو معركة الملوك الثلاثة

في هذا الصدد يمكن أن نتوقف في المغرب لنعطي أمثل عن الأعمال السينمائية التي توفقت كثيرا في مهامها التوثيقية وحتى الفرجوية، ويمكن الاستشهاد بالعمل التاريخي الذي أخرجه السنيمائي سهيل بن بركة “طبول الحرب” أو حرب الملوك الثلاثة، الذي صور بصدقية وموضوعية المبدعين الكبار حقبة مميزة من تاريخ المغرب. أيضا من الأمثلة الدالة في هذا السياق، شريط أسـد الصحراء ( Lion of the Desert)‏ ، الذي أعطي له عنوان “عمر المختار”، هذا الفيلم له طبيعة حربية، ملحمية و تاريخية، أُنتج  سنة 1981، من بطولة أنطوني كوين، الذي قام بأداء دور القائد الليبي عمر المختار في حربه ضد جيش موسوليني الإيطالي قبيل الحرب العالمية الثانية، أخرجه السوري مصطفى العقاد، وقف هذا الشريط عند محطة مفصلية في التاريخ الليبي.

 لم يكن نجاح هذه الأشرطة بتلك السهولة، الشيء الذي يعني أن فرقا ولجنا علمية ضمت مؤرخين وتقنيين وأدباء ومفكرين تجندت لهذا الغرض، وكثفت من جهودها لإنجاح مثل هذه الأعمال. وبكل تأكيد كانت هذه الفرق تضع في الحسبان أن هذه الإنتاجات ستواجه إما استحسان المشاهدين والمتلقين وإما استهجانهم الذي قد يصل في بعض الأحيان حد النقد اللاذع والتقاضي.

القضية الموضوع حاليا على طاولة القضاء في المغرب والمتعلقة بشريط “فتح الأندلس”، تجرنا إلى تحديد المسؤوليات على مستوى الإخراج والبث أيضا. فقبل سنوات المجلس الأعلى للحسابات نبه إلى مثل هذا الإشكال، مؤكدا في تقرير سابق، أنه بمجرد تسليم شركات الإنتاج التنفيذي للبرامج إلى قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، يجب أن تشرع لجنة خاصة لمشاهدة البرامج كما هو مشار إليه في البند المتعلق بشروط التسليم المنصوص عليه في عقود الإنتاج الخارجي.

 ويجب على هذه اللجنة المسؤولة عن المشاهدة التحقق مما إذا كانت شركات الإنتاج وفقً لشواهد المشاهدة التنفيذي قد استوفت معايير الجودة ومعايير البث. ومع ذلك، حسب المجلس الأعلى للحسابات، لم يتم إنشاء هذه اللجنة، وتتم مراقبة البرامج إما عن طريق مديري القنوات التلفزية أو رئيس قسم البرمجة التابع لكل قناة. 

غياب لجنة مشاهدة الأفلام

الأمر لم يقتصر في غياب هذه اللجنة، بل أيضا هناك غياب مساطر تخص حقوق البث، حيث  تقوم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة باقتناء حقوق بث البرامج من أجل إغناء شبكة البرامج . ويعتمد التفاوض بشأن أسعار حقوق البث على عدد حصص البث ومدة حقوق البث وكذا قنوات البث أكانت أرضية أو عبر الأقمار الصناعية وحصرية البث.

وفي هذا الصدد، رصد المجلس الأعلى للحسابات اختلالات منها عدم وجود أي إجراء رسمي لاكتساب حقوق البث من ناحية أخرى، كشف فحص عينة من حقوق بث برامج الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عن وجود العديد من البرامج التي لم يتم بثها إلى حين سقوط الحقوق المتعلقة بها. فعلى الرغم من أن مدة البث تبلغ في المتوسط سنتين،  فخلال الفترة 2009 – 2013، تاريخ انتهاء الحقوق .فقد تبين وجود أزيد من 60 برنامجا لم بثه.  وقد قامت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ببث هذه البرامج بعد انقضاء أجل حقوق البث الخاصة بها، مع تسجيل تأخير يصل إلى سنتين، بمتوسط 3 أشهر.هذه الوضعية تبين قصور الشركة في تحديد حاجياتها من البرامج، علاوة على مواجهتها لخطر نشوب نزاعات قضائية مع الموزعين وشركات حقوق بث بعض البرامج دون إبرام العقود المتعلقة بها  قامت الشركة الوطنية لإلذاعة والت البث.

و في هذا الإطار، بثت قناة الأولى، خلال الفترة 2009 – 2013 ،أزيد من 360 برنامج قبل إبرام العقود المتعلقة بحقوق البث. وقد بلغت قيمة هذه البرامج أكثر من 5.1 مليون دولار أمريكي . 

 الكثير من المحاكمات والدعاوى القضائية التي  عرفتها القصص في السينما تعلقت بتهم التعدّي على حقوق الملكية،  حتى أن الكثير من حسب  الموقع المتخصص في السينما “موفيكتبوس” أكد أن أكثر المخرجين شهرةً يتعرضون لأكبر عدد من القضايا المرفوعة ضدّهم في محكمة حقوق الملكية، و (ستيفن سبيلبيرغ) هو مثالٌ جيّد على هذه الحادثة، فقد تمّت محاكمة (سبيلبيرغ) لأربعة من أفلامه ومسلسلاته التلفزيونية على الأقل، لأسباب مختلفة ولكن كلها في النهاية تتوجه إلى كون أعماله غير أصليّة.

فيلم “ديستريبيا” يشبه إلى حد كبير المفهوم السردي لفيلم “رير ونداو” ل “هيتشكوك”سنة 1954، والذي تمّت إعادة نتاجه سنة 1998 في فيلم من بطولة “كريستوفر ريفز” ، وكان كلاهما مبنيٌّ على قصة قصيرة سنة 1942 بعنوان “إيت هاد تو بي موردر” للكاتب “كورنيل وولريس”.

 حل للقضايا تحت الطاولة

ذكر كل من محامي (ستيفن كيسلر) ومحامي (ستيفن سبيلبيرغ) أن موكّليهما قد استلهما لقصّتيهما من نفس البرنامج التلفزيوني “نوفا” الذي يتحدث عن الأعاصير في (أوكلاهوما)، ونتيجة لذلك اعتبر القاضي أنّ المعلومات كانت تعتبر معروضة للعامة، وبالتالي ربح سبيلبيرغ و كريشتون  ووانز بروسCrichton و Warner Bros الدعوى هذه المرة.

ذكر عالم الآثار في القضية أنّه لم يتم منح (ٍسبيلبيرغ) أي حقوق لمشاركة الجمجمة، وأنّهم لم يقدموا أي أرباح من الفيلم ليستفيد منها المجتمع في مدينة “بليز” ، حتى أنّه قد انتهى به المطاف بمقاضاة عائلة المغامرين الذين سرقوا القطعة الأثرية من أجل استرجاع الجمجمة، لكن للأسف تمّ رفض ادعاءاته في كل من القضيتين، وهو أمرٌ مفجع يدعو للحسرة لكل من المجتمع الذي أتى منه عالم الآثار ومجال دراسته.

وهناك العديد من الشائعات عن قصصٍ أخرى تمت سرقتها من قِبل (ٍسبيلبيرغ)، لكن الكُتّاب لم يذهبوا بها إلى المحكمة لأنّهم غالباً قد توصّلوا إلى تسوية مع (سبيلبيرغ) بطريقةٍ أو بأخرى قبل الوصول إلى تلك المرحلة، يمكن تطبيق الكلام السابق على قصص أخرى التي لن يكون البحث عنها سهلاً طبعاً.

 

 من الناظور دعوى قضائية

في سياق هذه النزاعات رفع الفاعل الجمعوي والسياسي رشيد بوهدوز من مدينة الناظور دعوى قضائية إلى رئيس المحكة الابتدائية بالرباط ضد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ينوب عنه في القضية المحامي بهيئة الرباط محمد ألمو، مطالبا في مقال استعجالي بإيقاف بث المسلسل التلفزيوني “فتح الأندلس”.

المحامي ألمو، أكد أن العارض مواطن مغربي وفاعل جمعوي وسياسي مهتم بالدفاع عن الهوية الوطنية وثوابت المملكية المغربية بالإضافة إلى أنه يساهم في البرامج التنموية والثقافية المحلية بمنطقة الريف المغربي.

وأضاف ألمو أن موكله فوجئ وهو يتابع البرامج الرمضانية على على القناة الأولى ببث مسلسل تاريخي بعنوان “فتح الأندلس”، وأن هذا المسلسل يتضمن محتوى لا ىينسجم مع ثوابت التاريخ العريق للمغرب، موضحا أن أحداث هذا المسلسل والشخصيات التي لعبت الأدوار المحورية تنشر مضامين تحتوي على عدة مغالطات تاريخية مسيئة للبديهيات التاريخية والجغرافية للمغرب ومخالفة بذلك لما أجمعت عليه أغلب المصادر التاريخية العلمية والتي أرخت للأحداث التي يتناولها المسلسل.

 طارق بن زياد في الأندلس

أضاف أن صاحب الدعوى اعتبر المسلسل “فتح الأندلس ” يتضمن مغالطات تاريخية من شأن الاستمرار في نشرها وبثها التشويش على القناعات الوجدانية لدى المواطنين تجاه تارخهم وهويتهم وجغرافية بلدهم.

وحسب صاحب الدعوى، فإن المسلسل يسيء للإمتداد التاريخي والجغرافي للوحدة الوطنية لأن الشعب المغربي يعتبر سبتة مدينة مغربية في حين المسلسل يسوق لدى المشاهد معطيات مغلوطة حول هذه النقطة من خلال تحريف هوية وانتماء حاكم هذه المدينة عبر جعل جنسيته قوطية اسبانية متعارضا بذلك مع أغلب المصادر التاريخية، التي أشارت إلى هذه الشخصية التي تدعى الملك يوليان الغماري ملك سبتة السليبة وهو ملك أمازيغي موري مغربي حسب المصادر، ومنها ابن عذارى المراكشي، واسمه الحقيقي “أوليان” من قبيلة غمارة التي هي فرع من قبيلة مصمودة الأمازيغية الموجودة غرب الريف.

بالإضافة إلى أن المسلسل لم ينجح في تقديم صورة حقيقية عن طارق بن زياد، من هو ومن أين أتى، إذ يبدو من خلال أحداث المسلسل كشخص أجنبي تابع بشكل مطلق لشخصية موسى بن نصير ومعاونيه من المشرق، باعتبارهم لا يملكون أي إرادة في تقرير مصير البلاد إلا بتخطيط وأوامر من هؤلاء.

وأشار إلى أنه رغم أن المغرب عرف تاريخيا بهوية عمرانية متميزة، إلا أن تصوير أحداث المسلسل بمناطق في سوريا وتركيا أثر بشكل كبير على هذه الهوية، حيث تبدو أغلب المشاهد بعمارة بيزنطية .

أيضا حسب العارض، فإن المسلسل لم يراع الخصوصية المغربية التاريخية في اللباس المستعمل في المسلسل، حيث أظهرت أغلب المشاهد المغاربة بلباس مشرقي في تغييب تام للمسة والتميز المغربي في مجال الملابس.

*نشر بجريدة العلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *