صبيحة ذلك اليوم، وكان يوم جمعة، ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، وبينما أهم بمغادرة مدينة الحسيمة بعد زيارة قصيرة لتقديم التهاني للمعتقلين من شباب الحراك الشعبي بالريف المفرج عنهم بموجب عفو ملكي، رن الهاتف، فأوقفت السيارة بعدما تأكدت أن المكالمة في تلك الأثناء صادرة من أخي الأكبر.
أعرف نبرة صوته جيدا. تأكدت بعدها مباشرة أن الأمر مصاب، ومصاب جلل.

شابين في مقتبل العمر، حفيدي : نبيل وأشرف، 16 و 19 سنة، وهما أخوين، إختفيا منذ ليلة 8 و 9 غشت بعد رحلة “حريك” من شاطئ الريفيين بمدينة كاستييخو/الفنيدق على متن زورق مهترئ بدون أدنى سترة النجاة في إتجاه مدينة سبتة السليبة.

كان صوت الحاج خافتا وبالكاد يحاول أن يصف الكارثة التي لم يكن يعلم عنها شيئا قبل أن يطلب مني أن أقوم بما يمكن القيام به لاستجلاء الحقيقة حول هذه المصيبة التي لا راد لقضاء الله تعالى فيها.

في الطريق من الحسيمة في إتجاه تطوان، وعبر المنعرجات المطلة على البحر الأبيض المتوسط، رجعت بي الذاكرة إلى لحظة مشاهدتي لشريط قدمته المنظمة العالمية للهجرة في إحدى اللقاءات بسانت بيترسبورغ بروسيا في أكتوبر 2017.
لحظتها، كنت بصدد إعداد مقترح حول الموضوع كأي تقنوقراطي منزوع الأحاسيس لا يقدر خطورة قضية الهجرة السرية والاتجار بالبشر حق قدرها.

في مستودع الأموات بمستشفى “سانية الرمل” بتطوان، وأنا أبحث لأكثر من ساعة وسط ما يناهز أربعين جثة عن بصيص أمل، تأكد لي أننا فعلا إزاء كارثة إنسانية بكل المقاييس. لدى الدرك الملكي بتطوان، كان الأمر فضيعا عندما رأيت صورا لجثت شباب يصعب التأكد حتى من هوياتهم. لقد شوه البحر ملامحهم بالكامل..

في 10 دجنبر 2018، اليوم العالمي لحقوق الإنسان، ستنعقد بمراكش الندوة الدولية للمصادقة على ” الميثاق العالمي من أجل هجرات آمنة ومنظمة ومنتظمة”، بمشاركة رؤساء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء بالأمم المتحدة. ولأول مرة، ستكون مناسبة لجعل المنتظم الدولي يقف على حقيقة الفواجع الإنسانية التي يخلفها الاتجار بالبشر والهجرة السرية.

المغرب معني بهذه الكارثة الفضيعة، كبلد مصدر وكبلد عبور وكبلد إستقبال. والمغرب، بصفته رائدا للاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة، عليه بلورة ممارسات جيدة في التعامل مع تداعيات الهجرة السرية والاتجار بالبشر.

ما رأيته في مستودع الأموات بمستشفى “سانية الرمل” بتطوان وحتى بمستشفى طنجة لا يشرف بلادنا بتاتا. المصالح المعنية عليها أن تتحمل المسؤولية كاملة للحفاظ على كرامة الضحايا وأهاليهم..

لا سكوت بعد اليوم..

#لا_سكوت_بعد_اليوم

  • عبد الواحد درويش: كاتب و ناشط حقوقي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *