هـي ضيعة مـن عجـائب الضـيعات ! كـل أنشطة الفلاحة فيها . وحتى مـا لا يخطر على البال فيها . خرفانها صُـــمٌّ بكم ، وكذلك شأن باقي أنواع الماشية ، بينما أبقارها تتكلم ! ورثها « لَـمْـعَـلّـم » أبا عن جد . وورثها الجد أبا عن جد . ومع الإنحباس الحراري وآثاره السلبية على المناخ ، أصدر « لـَمْـعَـلّم » أمره لخَـدَمِه أن يقلعوا عن كل ما له علاقة بالمواد الكيماوية حفاظا على الأرض والزرع والضرع . وحفاظا على تفعيل النسل ، كان يأمر من حين لحين بفصل إناث الماشية عن الذكور ، حتى يُـذكي الإشتياق بين الجنسين !
(…)
ولأن الماعز مشاكس ، كان الخدم يفصلون الذكور عن الإناث بسور خشبي عال وأملس ! ولأن الخرفان لا يصدر عنها أي رد فعل معاند ، كانوا يفصلون الذكور عن الإناث بالتبن ! والحمير يحجب النظر عن الأعين ! وكذلك البغال والجمال .. أما الثيران المعروفة بالتذمر والإندفاع فكان معها تعامل خاص : الفصل بين الثيران والبقرات بسور عال من الأسلاك المشوكة . والسور مديد طولا وعرضا ، يستحيل تجاوزه !
(…)
اشتد شوق الثور الأسود لبقرته الدهماء ! لذلك كان يقضي يومه روحة وجيئة ، أمام سُور الأسلاك المشوكة ، الذي يحول بينه وبينها ! وبين الفينة والأخرى يدمدم غاضبا ! وهي في الجهة المقابلة تتدلل عليه بملاحة ، كأنها تخالفه وليس بها خلاف ! تتغَنَّج عليه بأصواتها وحركاتها التي تزيدها حسنا في عينيه الضارعتين ! وفي الليل ، عندما تهدأ الحركة ، ويسود السكون لا ينام ! يجثو ويراقب العسس ! فالليل له عيون ! ولما اطمأن اهتدى إلى فكرة أن الوصال إذا ما كُتِـب له أن يكون ، فإن ما بعد منتصف الليل هو زمنه المناسب ، خاصة في الليالي الحالكات ، التي يغيب فيها وهج القمر !
-وماذا عن سُور الأسلاك المشوكة ؟!
تنهد وأصدر سؤاله بصوت هامس !
(…)
قال للثور الأبيض الذي يحفظ له الود ولا يفشي له سر :
-سئمت هذا التمييز الظالم !
أجابه صديقه :
-«أنا لا أرى في الأمر تمييزا ، فما يسري علينا يسري على غيرنا ؟!
قال لصديقه بلهجة استنكار :
-أنا لا أطرح التمييز بخصوصنا نحن كرعية .
لم يفهم الثور الأبيض قصد كلام صديقه ، فسأل :
-ومن تقصد بالتمييز ؟!
من لا يفصلون أنفسهم عن زوجاتهم !
ارتعب الصديق من طريقة تفكير صديقه ، وظنه يريد الإقدام على قيادة عصيان مدني حيواني . لذلك ، وجه له السؤال بالمباشر :
-عماذا أنت عازم ؟!
طأطأ الثور الأسود رأسه ، تنهد وقال :
-أريد تجاوز هذا السور الشائك ليلا ، فكيف أهتدي إلى أسلم طريقة ؟!

فكر الثور الأبيض في الأمر مليا ، وقلَّبَـه من جميع الأوجه ، بعد ذلك استرسل في القول موضحا :
-تجاوز السور المشكل من الأسلاك الشائكة ، مخاطرة .لأن الأمر يتطلب استحضار علم الفزياء في الخطة . فضبط المطلوب للتجاوز السليم ، يستدعي قياس سرعة العٓدْو ، وتحديد نقطة القفز ، وعلو القفز، ومداه الطولي . مع الرفع من معنويات الإقدام على المخاطرة لربح الرهان . وهنا تحضر السيكلوجيا . فالمسألة فيها العديد من ألعاب القوى :
جري وقفز علوي وآخر طولي ! والذي يمكن أن يفيد في هذه النازلة هو شيخ الثيران . فعليك به .

قال شيخ الثيران للثور الأحمر :
– ابتعد عن سُور الأسلاك الشائكة بمسافة مئة متر . وانطلق بسرعة مئة كيلومتر في الساعة .اقفز عند الإقتراب من خمسة أمتار بعلو عشرة . واسقط بعد السور بِـبُـعْد  خمسة .
نظر الثور العازم على المغامرة إلى سور الأسلاك المشوكة أمامه ، فكر لحظة ثم سأل :
-وافرض – يا شيخنا – أني أخطأت الحساب ، وعلقت بالأسلاك ، وخسرت أعضائي التناسلية ؛ فماذا أفعل حينها ؟!
قال شيخ الثيران :
-ستصير مخصيا مثلي ، وتجلس كما أنا الآن وبجانبي، لتصبح محللا استراتيجيا، وخبيرا في شؤون الضيعة وقضايا العالم

 

محمد الجلايدي .. قاص وكاتب مغربي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *