الرباط: جواد مكرم
رغم الضربات الشديدة التي تلقاها تحت الحزام، والنيران الصديقة(وغير الصديقة) التي استهدفته، ورغم التجاذبات والخلافات العاصفية التي عرفها الحزب على امتداد الأسابيع والشهور الماضية، والتي كادت تُقوض صرح التنظيم، نجح الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة حكيم بن شماش، أمس الأحد، في زرع بذور الأمل داخل التنظيم وإعادة الثقة في صفوف قواعده، وضمان تماسك التنظيم إلى حين انعقاد محطة مؤتمره الوطني الرابع في غضون الشهور القليلة المقبلة.
كانت الكلمة- المشورة التي جاءت في التقرير السياسي الذي تلاه بن شماش، خلال انعقاد الدورة الرابعة والعشرين من المجلس الوطني للحزب بسلا، هي مفتاح العبور بالتنظيم نحو بر الأمان”لا تدعوا شعاع الأمل يضعف.رجاءا احرصوا على أن تظل جذوة الثقة متقدة: الثقة في أنفسنا وفي بعضنا البعض، والثقة في قدرة بلدنا على مواجهة الصعاب والتحديات كما كانت دوما على مدى تاريخها الطويل والممتد”.
نبه بن شماش قادة وأعضاء المجلس الوطني للحزب، إلى أن المغرب ما يزال في حاجة إلى حزب الأصالة والمعاصرة كبؤرة لاستقبال التطلعات المشروعة “لشعبنا ومواطنينا وقراءتها وسبر رسائلها على جميع المستويات والجواب عليها ضمن مخرجات على شكل مبادرات واقتراحات وسياسات ومواقف تعبر عن تلك التطلعات. حينها سيصبح للحزب معنى، حينها سيصبح الحزب أداة ديناميكية متفاعلة، نابضة بالحياة، أداة للتغيير لا ملاذا للطموحات الشخصية الغارقة في الانتهازية”.
دعا بن شماش قادة ومناضلي الحزب إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه ما شهده التنظيم من تجاذبات وخلافات، وذلك قصد مواجهة التحديات الكبرى المرتبطة بواقعه التنظيمي من جهة، وبالاستحقاقات التي تنتظره مستقبلا، خاصة الاستحقاقات الانتخابية، من جهة أخرى.
واختار بن شماش، في الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني للحزب، أن يخاطب مناضلي الحزب بلغة الصراحة والوضوح، عِوَض استعمال لغة الخشب،ليضع المناضلين أمام الواقع الحزبي والتداعيات الخطيرة المحتملة للأزمة التي يعرفها الحزب، ما لم تتم معالجتها.ولذلك، وفي الوقت الذي اعترف بن شماش بأن الحزب يعيش أزمة، أقر في الوقت نفسه، بأن الباميين قادرين على تجاوزها بالوعي والإرادة والالتحام والمسؤولية.
أكد ضرورة أن يتحلى الباميون بروح المسؤولية والدينامية الإيجابية،للسير نحو”موعدنا الجماعي المقبل: المؤتمر الوطني الرابع الذي يفترض أن نشكل في دورة مجلسنا الوطني هذه لجنته التحضيرية بنفس وحدوي وبأقصى درجات الالتزام والمسؤولية”.
لقد كان حاسما منذ البداية بالنسبة إلى الخيارات المطروحة أمام التنظيم “إنني أتحسس وأرى أمامي طريقين لا ثالث لهما: طريق الانحدار التدريجي وهذا ما لا نرضاه ولا نريده وما سوف نكافح من أجل ألا يحدث، وطريق انبعاث جديد وهذا ممكن وممكن جدا ومطلوب بإلحاح شريطة أن نتحمل مسؤوليتنا أمام الله وأمام الوطن وأمام من وضعوا يوما ثقتهم في هذا المشروع”
طرح بن شماش تساؤلات جوهرية حول الواقع الحزبي (أداته التنظيمية، صناعة نخبه المستقبلية”، منبها إلى أن الأصوات الانتخابية لا تصنع تنظيما سياسيا قويا ويستجيب لانتظارات المجتمع.
لذلك قال، في هذا الصدد، “لقد استطعنا أن نحصل على أزيد من مليون صوت خلال آخر انتخابات تشريعية وحصلنا خلالها على الرتبة الثانية بين الأحزاب المشاركة في هذا الاقتراع، لكن يجدر بنا أن نتساءل ما هي القيمة السياسية الحقيقية لهذه النتيجة وكم من المواطنين كسبنا وعيهم بالمشروع المجتمعي الذي ندافع عنه ونسعى إلى تحقيقه؟ وكم من الأطر الشابة استطعنا تأطيرها بمرجعيتنا الفكرية وتسليحها بالوعي السياسي اللازم؟ وكم من منظمة أو حركة موازية أسسنا في المدن الكبيرة والصغيرة والقرى؟ وهل بدأنا توفير الجيل الجديد من المناضلين والقادة؟.
الرجل، لم يهرب إلى الأمام بل واجه الأمور بمنطق الحزم والالتزام وتحمل المسؤولية” لست هنا في معرض تبرير ما هو قائم، بل إنني أقر بينكم بالمسؤولية الجماعية المشتركة في هذا التقصير المقلق الذي هو في الواقع يتجاوز التقصير إلى ما هو أخطر وهو اعتماد ضمني أو معلن للاختيار “الانتخابوي” الذي لا يقيم وزنا للتنظيم إلا انطلاقا من علاقته بالانتخابات والفوز السريع فيها وما يتلوها من مسؤوليات في الهيئات المنتخبة، سرعان ما تتحلل في صيرورات التدبير اليومي فتصبح ظواهر غريبة لا يجمعها بالحزب شيء ذو بال … حتى أصبح الحزب يشتغل للانتخابات محولا إياها إلى هدف بحد ذاته عوض أن يكون الحزب ممسكا بدفة الأمور، في تحليله السياسي وفي تقديمه للأجوبة البرنامجية على أسئلة وانتظارات المواطنين وفي رسمه للأولويات وفي تحديد تحالفاته وفي تدبير سياسته التواصلية وفي تأطير قطاعاته…”.
وفي خضم تداوله في الشأن الداخلي للبام، لم يفت الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة أن يُذكر بضرورة الاهتمام بانشغالات وقضايا المجتمع وتعيئة المواطنين حول أفكار ومبادرات رائدة. ” إن الأخطر من ذلك، وأتمنى أن أكون مخطئا على هذا المستوى، هو غياب “الفكرة القائدة”، أعني بذلك غياب المبادرة أو الدينامية القادرة على تعبئة مكونات الأمة واستنهاض إمكاناتها وقدراتها الكامنة للتقدم إلى الأمام بالنفس الوحدوي الوطني الجامع وبالوتيرة التي يفرضها العصر وتتطلبها التحديات الجمة المتفاقمة من حولنا، سواء تلك المرتبطة بالتحولات العميقة التي حدثت وتحدث على مستوى البنية الديمغرافية للمجتمع المغربي أو تلك التي تأتينا من البيئة الجهوية المضطربة ومن المحيط الدولي البالغ التعقيد”.
واسترسل بن شماش في كلامه قائلا ” لقد عاش المغرب وتعبأ المغاربة في ظل العهد الجديد خلف أفكار قائدة ملهمة، وانخرطت أغلبية مكوناتهم وتعبيراتهم في مبادرات وديناميات معبئة وجامعة ودافعة نحو الأمام على درب الدمقرطة والتحديث، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر دينامية الإنصاف والمصالحة التي فتحت آفاقا واعدة ورحبة ولم يستكمل تنزيل روحها على الأرض خاصة في أبعادها الثقافية والمجالية والقيمية، من ذلك مثلا تقرير الخمسينية الذي رسم ملامح المغرب الممكن المتطلع إلى المستقبل، من ذلك مثلا فكرة الدستور الجديد الحامل والحابل بفرص كبيرة جرى هدرها أو عدم استثمارها بسبب مهاترات الفاعل السياسي والحزبي، من ذلك مثلا مشروع الجهوية المتقدمة كمشروع إصلاحي ثوري يروم إعادة صياغة بنية ونسق الدول برمتها…يخيل إلي أن مثل هذه الأفكار والمبادرات والديناميات العملاقة والملهمة قد انطفأ وهجها أو يكاد أو على الأقل -مرة أخرى بسبب مهاترات وكسل الفاعل السياسي والحزبي ونحن منهم- لم تعد تؤدي وظيفة التعبئة الجماعية ولم تعد تغذي مكونات الأمة وقواها الحية بالطاقة وقوة الدفع المطلوبة لكي ترتقي إلى الأعلى وتتقدم إلى الأمام”.
ودعا بن شماش، تبعا لذلك، مثقفي ومفكري ومؤسسات الحزب ” إلى الانتباه لجسامة هذه التحديات ولخطورة ودقة ما تطرحه علينا من أسئلة ومهام، للعمل، بموازاة الاشتغال على تجديد وتطوير العرض البرنامجي لحزبنا، على صياغة وبلورة مبادرة لعلها تخرجنا من هذا البؤس المروع الذي نحن فيه. وههنا أدفع بفرضية الحاجة إلى الاشتغال على بلورة ما سميته في مناسبة سابقة بالحاجة إلى فكرة “الوطنية الثانية”.