محمد سليكي

 

على امتداد سنوات طوال من تغطيتي الصحفية لمئات المحاكمات، منذ عهد محكمة العدل الخاصة إلى عهد محكمة جرائم الأموال ومحكمة النظر في قضايا” الإرهاب”..، وهي محاكم يُعين لرئاسة غرفها أهرامات القضاء المغربي، لم تثر انتباهي قط هيئة قضائية توجد على رأسها سيدة لم تكلّ ولم تمل في تفعيل كل ما يتيحه لها القانون، من أجل قيام شروط المحاكمة العادلة، بحثا عن الحقيقة وإحقاقا لروح العدالة.

لقد بدا من خلال إدارة القاضية الأستاذة نعيمة أزديك لجلسات النظر في ملف شائك يتعلق بمنتخبين في جماعة “الحدادة”، ضاحية القنيطرة، كيف كانت شخصية الرئاسة حاضرة في تسيير الجلسة برصانة وتوازن، مع مراعاة حق جميع الأطراف في محاكمة عادلة، كما نصت على ذلك المواثيق الدولية، خاصة الإعلان العالمي لحقوق والإنسان. لا بل وبتقيد صريح بالتنزيل السليم لهذا الحق الدستوري، المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية، بموجب الفصل الـ23 منها، والتي جاء فيه أن “قرينة البراءة والحق في المحاكمة العادلة مضمونان”.

ولعل من مؤشرات ضمان هيئة المحكمة لهذا الحق الدستوري حرصُ المحكمة على الإدارة القضائية لهذا الملف، كغيره من الملفات المعروضة عليها، أخذا بالاعتبار ما ورد في الفصل الـ120 من الدستور المغربي، والذي جاء فيه أن “لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر في آجال معقولة”.

ولما كان الأمر كذلك، فإن مختلف أطراف الدعوى، بمن فيهم أعضاء هيئة الدفاع وشهود النفي والإثبات، لا يمكنهم إلا الوقوف وقفة احترام وتقدير تكريما لما بذلته هيئة المحكمة، برئاسة القاضية الأستاذة نعيمة أزديك من جهد وبذل لتشكيل قناعة المحكمة، من خلال ما راج أمام جلساتها من حقائق، وليس مما ضُمّن في محاضر الضابطة القضائية من تصريحات. ولَعمري لهذا هو المدخل الذهبي لتحقق روح العدالة، الحلقة المفقودة في كثير من أحكام محاكم المملكة.

وغنيّ عن البيان أن مجرد السعي نحو تحقق روح العدالة أمر لا يمكن التفكير فيه إلا بتوفر شروط قيام المحاكمة العادلة، والتي من أهمها تقيد هيئة المحكمة بالضوابط الشكلية والموضوعية وحماية حقوق جميع الأطراف، تحت رقابة الضمير المهني والتشريعين، السماوي والوضعي…

والمتتبع لما بات يعرف بملف “شكوة ومن معه”، القضية التي يوجد معها، المشتكي، مشتكى فيه، في آن واحد، سيسجل أن هيئة المحكمة اجتهدت في قيام شروط المحاكمة العادلة، بدءا باستقلالية هيئة الحكم، وعلانية المحاكمة والتوزان في الاستجابة، في حدود ما يسمح به القانون، لملتمسات الدفاع وممثل الحق العام، واستداعاء شهود النفي والإثبات، وتدبير الزمن القضائي بكيفية متكافئة ومتناسبة مكّنت جميع الأطراف من تقديم إفاداتهم ومواقفهم والدفاع عن أنفسهم..

ولعل من حسنات سهر هيئة المحكمة على قيام شروط المحاكمة العادلة تصريحُ عدد من الشهود أمامها بحقائق صادمة وشهادات خطيرة كاعتراف منتخبين (حنان كحيل ومحمد خبر) بكون الرئيس شكوة، الذي يتابع مستشارين من أغلبيته (العربي اسكوف والحسين طيبة) بتهم الابتزاز، سبق أن عرض عليهما إغراءات مالية لاستمالتهما؛ لا بل ومواجهة شهود من خارج مجلس جماعة “الحدادة” الرئيسَ المشتكي والمشتكي به بحقيقة عرضه، في أحد مطاعم “الكاموني”، رشوة على واحد من المتهمَين المعتقلين أياما قبل اعتقالهما…

أمام توالي هذه الحقائق، التي ما كان لها أن تتكشف لو لم تعبر المحكمة عن صرامتها في استدعاء كل من يفيد في الوصول إلى الحقيقة كشرط من شروط العدالة، تحت طائلة تفعيل مسطرة الاستقدام، ستعجّل بإعلان هيئة المحكمة، جاهزية القضية وحجزها للتأمل، بعدما تشبثت بصوابية ضمّ الشكاية المباشرة الموجهة ضد الرئيس المشتكي إلى ملف القضية برمتها.

إن حرص هيئة المحكمة، على قيام شروط المحاكمة العادلة بوابة تحقق روح العدالة، قد ظهر كذلك في التفعيل المتقدم لإجراءات تحقيق الدعوى المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، في محاكمة جرت أطوارها تحت أنظار ملاحظين حقوقيين وبمتابعة نخبة من الإعلاميين ولفيف من أتباع المتقاضيين وكانت فيها هيئة الحكم، برئاسة الأستاذة نعيمة أزديك، عنوانا بارزا لثقة المواطن في القضاء.. في قضية أطرافها قرويون، منهم ربما من لم يرون بعد، سيدة تزن العدل بين الناس بالقسطاس..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *