حسن البصري
تُقدّم العديد من الفرق المسرحية أعمالها دون جمهور وأمام كراس فارغة، انسجاما مع التدابير الاحترازية التي تمنع ولوج الجمهور لقاعات العرض وتفعيلا للدعم الاستثنائي، الذي يشترط فيه تقديم أعمال فنية وتوثيقها بالصوت والصورة دون الحاجة إلى المتفرج، الذي يعد مكونا رئيسيا في الفرجة المسرحية والفرجة بصفة عامة.
في عهد كوفيد التاسع عشر، عشنا فصلا غير مسبوق في سيرة المسرح العالمي وليس المغربي وحده، حيث الخشبات في مدن العالم مقفرة لم تشهد عرضا واحدا ولم تطأ قدم ممثل بسيطتها، حتى أصبح الإغلاق في حد ذاته تراجيديا.
سيعفى الممثلون من طقوس الترحيب والوداع، لن يكونوا في حاجإلى وضع اليد في اليد والانحناء احتراما لجمهور لا أثر له، وكأن القاعة ابتلعته في غفلة من الجميع، هذا هو مسرح زمن التباعد والاحتراز والتعقيم..
يؤمن دعاة مسرح الكراسي الفارغة والفرجة في وضعية “صمت” بالقول المأثور: “اللهم لعمش ولا لعمى” ويؤكدون بأن عودة الجمهور إلى المسارح سيحولنا إلى فرجة وبائية، ويستند هؤلاء إلى ما يحصل في ملاعب كرة القدم، التي تجرى فيها مباريات أمام مدرجات فارغة ويتم بثها على الهواء دون أن تتأثر الفرجة.
في عالم الكرة يتم اللجوء إلى “الوي كلو” في بعض المباريات، حيث يمنع الجمهور من متابعتها ميدانيا، كقرار زجري يحرم الفريق من تشجيعات جمهوره بسبب سلوك لارياضي يقتضي القصاص، قبل أن يأتي زمن كوفيد التاسع عشر وسلالاته ونعيش أطوار مباريات بلا جمهور ولا حماس إلا تسجيل صوتي يبعث الدفء في الملاعب ويزرع في الفضاء “أومبيونس” مصطنع قابل للاستهلاك.
قبل أن تدور الكرة حول نفسها بادرت الجامعة الملكية المغربية لكرة، بتنسيق مع لجنة اليقظة إلى اعتماد “بروتوكول صحي” يجعل الفرجة في الملاعب مقيدة بإجراءات احترازية صارمة، ويمكن السلطة المحلية من منع إجراء مباراة إذا زاغت عن البروتوك. لكن في فرجة المسرح لا حاجة إلى البرتوكول الصحي ولا حاجة إلى قائد يملك الجرأة الكافية لاقتحام الخشبة وإطفاء الإضاءة والعبث بالديكور وإرسال الممثلين إلى غرفة تغيير الملابس.
لقد أعفي اللاعبون من العناق غير مبرر والمبرر، واضطروا إلى مصادرة الفرحة الجماعية، كما صدر إعفاء من تحية الجمهور واكتفى بعضهم بحركات أمام الكاميرا تحمل رسائل لمن يهمه الأمر، أما رجال ونساء المسرح فمازال الكثير منهم في مرحلة فهم ما يحدث حولهم، وقد حاصرهم سؤال جوهري مقلق: هل نحن في عرض كامل الأوصاف أم في بروفة؟
والحال أن الممثلين اليوم في حالة إحماء بعد طول غياب عن الركح، لذا ينصح بانتداب معد بدني لكل فرقة مسرحية يساعدهم على طرد التثاؤب والتراخي الذي سيطر على الأجساد بسبب تراجيديا الإغلاق العالمي، التي كشفت أن أب الفنون قد كان من أشد المتضرّرين من الوباء، وفي كل الأحوال فالمسرحي، كالمؤمن، مصاب.
صحيح أن الهدف الأسمى هو الحفاظ على صحة الناس، لكنْ لا نريد أعمالا مسرحية عن بعد، لأن المسرح بطبيعته يعتمد على الحضور والتفاعل الجماهيري، فإذا استمر الحال بهذه الوتيرة فقد تتولد لدينا ثقافة الفرجة عن بعد تماما كما انتشرت ثقافة البيع والشراء عن بعد.
في كثير من المدن تعرَض اليوم مسرحيات في سرية تامة، عروض داخل مسارح أبوابها مغلقة، شبابيكها معفاة من التدافع، وأعمال فنية لا يتابعها سوى مصورين يفرضون عليك مشاهدة العرض من وجهة نظر وزاوية التقاط المشهد، لا من زاويتك أنت أيها المتفرج الممنوع من الصرف.. أكيد ستشعر بأن بينك وبين الفرجة وسيطا وبأن مشاعرك لن تتحرك إلا بقرار، وستصبح بمرور الوقت مجرد “شاهد ما شافش حاجة”، أو إسكافيا في عالم الحفاة.