*محمد البقالي
عشر سنوات مرت على كتابة  هذا النص!  فلا أكاد أصدق أن عقدا كاملا قد مر!.
أكاد أشاهد التفاصيل كأنها حدثت قبل قليل!  
أتذكر الوجوه والأصوات… وحدها تلك الرصاصة الطائشة لم أعرف أنها مرت فوق رؤوسنا الا أيامًا بعد ذلك عندما شاهدت فيديو  “الهروب الكبير” صوره أحدهم بالهاتف ونشره  على يوتيوب. 
الحلقة الثانية بعنوان:”القصف يقترب أكثر فأكثر..”.
فجأة … علت صرخات التحذير…
-على كل من لا يحمل سلاحا مغادرة المكان فورًا….
 صرخ أحد قادة المقاتلين…
 كان ذلك إيذانا بأن كتائب القذافي ستصل إلى هنا بعد دقائق…
لم نكن في حاجة إلى هذا التحذير… فالرصاص يسمع صوته غير بعيد منا ..
عمت الفوضى المكان…. الجميع يجري في اتجاه واحد .. نحو الأراضي التونسية..
تمكنا من الدخول…لكن الآوان كان قد فات…
لم يعد أحد يعرف مالذي يحصل بالضبط..
 الرصاص والقذائف تنهمر في كل مكان…
ليس ثمة مكان آمن..
الجيش التونسي والحرس يتصرفون بارتباك واضح.. يبدو أن الأوامر لم تصدر بعد حول التعامل مع الوضع…
 كان واضحا أن الجيش ينزع نحو التهدئة.. وأنه لا يرغب في الدخول في معركة لا يعتبرها معركته.. فلتونس ما يكفيها من المشاكل والأزمات وليست في حاجة إلى فتح جبهة جديدة… 
هكذا فسر لنا الموقف ضابط فيما بعد…
لكن حتى وإن لم ترغب تونس… فقد وصلت المعركة إلى الأراضي التونسية…
المقاتلون تراجعوا بآلياتهم إلى الأراضي التونسية.. إلى حيث نحن.. على بعد مائتي متر من الأراضي الليبية.. والكتائب تلاحقهم… وهي في طريقها تطلق النار بسخاء لا مثيل له.. 
كلمات القذافي تجد طريقها إلى التنفيذ:  شبرا شبرا، بيتا بيتا، فردا فردا، زنكة زنكة.. فإطلاق النار لا يجب أن يتوقف ولا أن يستثني مكانا أو أحدا..
لم نعد نعرف إلى أين سنتوجه..
أي حركة قد تودي بحياتك.. لأنك لا تعرف أين ستقع القذيفة أو الرصاصة المقبلة….
كنت في مكان مكشوف…. ولم يكن أمامي غير المغامرة بالبحث عن جدار أو سيارة أو أحتمي بهما..
تذكرت حينها بعض القواعد التي يبدو أنها تصلح للقراءة أكثر منها للتطبيق: سر في طريق متعرج… لا تتوقف…. انبطح أرضا إذا سمعت إطلاق الرصاص.. احم رأسك بيدك… تظاهر بالموت إذا أصبت حتى لا يطلق الرصاص عليك من جديد..
هي عشرة أمتار… كان علي قطعها للاحتماء خلف سيارة للجيش…
 كان لابد من الاختيار بين خطرين.. كل واحد قد يودي بك إلى الموت !
 البقاء في موقع مكشوف يعني التحول إلى صيد سهل لكتائب لا تميز بين المقاتلين والصحافيين.. خاصة إذا كنت صحافيا في قناة الجزيرة…
والجري في طريق يتعرض للقصف قد يحولك إلى هدف واضح…
 لم يكن ثمة بد من اتخاذ قرار! أي قرار …. وفعلت، دون أن أعرف ما إذا كان القرار الذي اتخذت صائبًا أو أنه سيودي بي إلى التهلكة…
يتبع.
*صحفي مغربي في قناة الجزيرة لتغطية الحرب الثورة المسلحة الليبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *